مَن مِن اللبنانيين لا يتذكّر يوم السابع عشر من العام 2024، وكيف غدرت إسرائيل بحاملي "البيجيرات" من عناصر حزبية تابعين لـ "المقاومة الإسلامية"، خصوصًا أن لجوء القيادة العسكرية إلى هذا الاجراء الاحترازي قد اعتُمد مخافة أي خرق محتمل عبر وسائط التواصل والاتصالات التقليدية.
إلاّ أن ما توصّلت إليه
تل أبيب من خلال أجهزتها الاستخبارية لجهة تمكّنها من تفخيخ هذه "البيجرات" بطريقة غير مسبوقة في عالم التكنولوجيا الاستخباراتية كان بمثابة إشارة انذار لـ "
حزب الله" من أن ما سيلجأ إليه العدو في حربه المدّمرة، والتي توجّها باغتيال أمينيه العامين السيدين
حسن نصرالله وهاشم صفي الدين وأغلب قيادات الصف الأول في هرمية تركيبته العسكرية، ستكون حرب تكنولوجية مكمّلة للتفوق الجوّي للجيش
الإسرائيلي. وهذا ما أدّى، باعتراف أكثر من مسؤول حزبي، إلى تسليم "حزب الله" بالشروط، التي وردت في اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وهي شروط وافق عليها "الحزب" على مضض، خصوصًا أن ما فيها من بنود يفوق بخطورته ما ورد في الورقة الأميركية.
من هنا لا يمكن أن يُفهم موقف "حارة حريك" من كل الأوراق التي عُرضت عليه، وذلك انطلاقًا من مبدأ أن من يقبل بالكثير في مقدوره أن يقبل بالقليل، أو بمعنى آخر أن من يشرب "البحر الإسرائيلي" لن يغصّ بـ "الساقية الأميركية" أو بـ "ساقية حصرية السلاح".
هذا اليوم، ومثله يوم الخامس والعشرين من أيلول العام 2024، ليس كبقية الأيام في روزنامة المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل. وهذا ما اعترف به السيد نصرالله قبل استشهاده ببضعة أيام، الذي اعتبر في حينه أنها كانت "ضربة كبيرة أمنياً وإنسانياً وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في
لبنان"، وربما "غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي في المنطقة برمتها"، لكنه أشار في الوقت ذاته أيضًا إلى أن هذه الضربة لم تسقط المقاومة أو تهزّ قيادتها، وقال: "الخبر هو ما سترون وليس ما تسمعون"، في إشارة منه إلى أن رد المقاومة سيكون مفاجئًا وربما خارج التوقعات المعتادة.
وكما أراد السيد نصرالله التشديد عليه قبل استشهاده بأيام، لجهة تأكيد القوة والصمود في مواجهة العدو، من خلال إظهاره بأن الحزب غير منكسر، وأن الاستهداف لن يؤدي إلى اختراقات جوهرية في بنيته التنظيمية أو قيادته، كذلك سيفعل الشيخ نعيم
قاسم في الذكرى الأولى لاستشهاد أمينيه العامين.
الرسالة التي سيوجهها "حزب الله"، على لسان الشيخ قاسم، ستكون مزدوجة: واحدة إلى الداخل اللبناني، والثانية إلى الخارج، أيًّا يكن هذا الخارج. فالرسالة إلى الداخل هي لطمأنة بيئة "الحزب" ومناصريه بأن "المقاومة الإسلامية" وبعدما تعرّضت لهزّة عسكرية عابرة قد أعادت ترتيب صفوفها، وهي مستعدة للمواجهة من جديد. وهذا يعني أن "الحزب" مقبل على مرحلة جديدة، وأنْ لا تراجع بالنسبة إلى موقفه من مسألة تسليم سلاحه ما لم توقف تل أبيب اعتداءاتها اليومية، وما لم تسحب جيشها من التلال، التي لا تزال تحتلها.
ورسالة "الحزب" إلى الخارج لها علاقة مباشرة برسالتيه الداخليتين، وهي إبلاغ جميع المعنيين، وبالأخصّ الجانب الأميركي، بأن أي اعتداء إسرائيلي لن يمرّ من دون ردّ مناسب.
وما يمكن الإشارة إليه في الذكرى الأولى لاستشهاد السيدين حسن وهاشم هو أن ورقة الشارع، التي تجنّبها "حزب الله" في الشهرين الماضيين، وبالأخصّ بعد قرار الحكومة في الخامس من آب الماضي بحصرية السلاح، ستعود إلى الساحة المحلية بقوة هذه المرّة، على أن تكون مشاركة حركة "أمل" مضمونة على عكس ما كانت عليه في السابق عندما عارض الرئيس
نبيه بري استخدام الشارع، الذي كان سيقابله بالتأكيد شارع آخر.
ووفق التقديرات الحزبية فإن الحشود المرتقب ان تشارك في هذه الذكرى ستكون مؤشرًا للمرحلة الآتية، سياسيًا وانتخابيًا وعسكريًا.