كتب ميشال نصر في" الديار": تستعد الساحة المسيحية، كما باقي الساحات، لخوض واحدة من أكثر المعارك الانتخابية حساسية منذ عام ٢٠٠٥، في ظل تحولات عميقة تشهدها البيئة السياسية المسيحية، مع ظهور مزاج شعبي يميل إلى الاحباط، بعد خيبات الاصلاح والتغيير، ونظريات الرئيس القوي.
فعشية انتخابات 2026 النيابية، تتجه الأنظار إلى "الرباعي المسيحي الاساسي"، من "
التيار الوطني الحر"، "
القوات اللبنانية"، "الكتائب"، و"
تيار المردة"، لمعرفة كيف ستتوزع الأحجام والأوزان بين احزابه. غير ان المرحلة الحالية، تختلف جذرياً عن المحطات الانتخابية السابقة. فبعد تجربة طويلة في السلطة والبرلمان، تراجعت الثقة الشعبية بمعظم القوى التقليدية بشكل عام، والتي كانت تمثل القرار السياسي المسيحي، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتدهور مؤسسات الدولة، وشعور الشارع المسيحي بالتهميش وفقدان دوره الفعلي في القرار الوطني، وان بقيت مهيمنة على الحصة والقرار المسيحيين.
زعامة الاحزاب تلك، "خدشها" ظهور مجموعات مستقلة، وشخصيات مدنية، تحديدا بعد "ثورة 17 تشرين الاول"، والتي تحاول كسر الاحتكار الحزبي للتمثيل المسيحي، مستندة إلى خطاب تغييري لقي تجاوباً لدى فئات الشباب والطبقة الوسطى، التي فقدت ثقتها بالزعامات التقليدية الى حد ما، مستفيدة من التطورات الإقليمية، وتسوية التاسع من كانون الثاني الرئاسية وتداعياتها، معيدة خلط الأوراق داخل البيئة المسيحية بشكل جزئي، لتتحول بذلك الانتخابات المقبلة امام هذا الواقع، إلى سباق على "الزعامة المسيحية الأولى"، أكثر منها منافسة على المقاعد.
امام هذا الواقع، تظهر المعطيات الأولية التي تتداولها الصالونات السياسية والانتخابية، أن التوازن المسيحي في المجلس المقبل قد يشهد تغيّراً محدوداً في الأرقام، لكن كبيراً في الاتجاهات، اذ بحسب التقديرات الإحصائية والمراقبين الميدانيين، يمكن الحديث عن الخارطة التالية:
- "
التيار الوطني الحر" الذي يخوض معركة الدفاع عن وجوده السياسي، يدخل الاستحقاق النيابي المقبل، مثقلاً بإرث من التجارب الحكومية والخلافات الداخلية. تراجع حضوره الشعبي بشكل ملحوظ نتيجة الانهيار المالي والسياسي، الذي تزامن مع وجوده في السلطة، وبعد خروجه منها يحاول رئيسه
جبران باسيل اليوم ترميم صورته.
رغم ذلك، يحتفظ
التيار بحضور مناطقي واضح في دوائر: جزين، البترون، المتن
الشمالي، وكسروان - جبيل، ما قد يضمن له كتلة تتراوح بين 10 و13 نائباً، تُبقيه رقماً مؤثراً في المعادلة المسيحية والنيابية.
- "القوات" التي تهدف للانتقال من
المعارضة إلى قيادة التمثيل المسيحي، حيث تعتمد استراتيجية انتخابية هجومية، مستفيدة من تنظيمها الحزبي المتماسك، ومن خطابها السيادي "المباشر والفج"، من خلال تقديم نفسها كأبرز معارض للمنظومة ولنفوذ
حزب الله، ساعية إلى تحويل هذا الخطاب إلى رصيد انتخابي داخل الشارع المسيحي، خصوصاً بعد الانكفاء العوني.
تشير التقديرات إلى إمكانية حصول "القوات" على 18 إلى 20 مقعداً، ما يجعلها مؤهلة لتصدر التمثيل المسيحي، وربما لامتلاك الكتلة النيابية الأكبر داخل المجلس المقبل.
- "الكتائب" رهانها على الجيل الجديد، حيث يخوض الحزب معركته انطلاقاً من موقعه كقوة داعمة للرئاسة تاريخيا، مراهنة على الأصوات الشبابية التغييرية وعلى الناخب المتردد. ووفق التقديرات، قد يتمكن الحزب من رفع تمثيله إلى 4 او 5 مقاعد، ما يعزز موقعه ليكون شريكاً مرجحا لبعبدا، في أي توازن سياسي جديد بعد الانتخابات.
- "تيار المردة" ينطلق من ثباته مناطقيا، حيث يحتفظ بقاعدته الصلبة في زغرتا والكورة. ورغم محدودية تمدده خارج
الشمال، تشير التوقعات إلى احتفاظه بمقاعده، ما يضمن له دوراً تفاوضياً في مرحلة ما بعد الانتخابات، خصوصاً في أي تسوية رئاسية مقبلة.
- "المستقلون" و"التغييريون"، بمن فيهم "العهدويون"، الذين يأملون بان يكونوا الصوت المسيحي الجديد، معتمدين على خطاب إصلاحي - سيادي متوازن، واصطفاف خلف العهد ورئيسه، مراهنين على أصوات مناصري ومؤيدي الاحزاب "المنتفضة" على قياداتها، من تيار و"قوات" وغيرها، حيث ثمة من يتحدث عن امكان تشكيلهم كتلة من ٥ إلى ٦ مقاعد، ما يجعلهم "بيضة القبان" في بعض الدوائر الحساسة.
في الخلاصة، لن يكون جوهر انتخابات 2026، اذا حصلت في موعدها، معركة أرقام فحسب، بل معركة هوية داخل الساحة المسيحية لجهة من يمثلها، ويعكس تطلعاتها بمشروعه، وسط السؤال التقليدي منذ 1990: هل تبقى الزعامة محصورة بين "التيار" و"القوات"؟ أم يفتح جوزاف عون الباب أمام كتلة سياسية جديدة؟