نشرت هيئة الإذاعة البريطانيّة "BBC" تقريراً جديداً عن العلاقة المستجدة بين لبنان وسوريا، متحدثة عن "ريبة في ظلّ مساعٍ لفتح صفحة جديدة بين البلدين" في ظل وجود ملفات شائكة.
ويقول التقرير إنه "لطالما كان هناك توتر شديد في العلاقات بين البلدين، لم تحجبه الشعارات السياسية المكرّرة، والمبالغة في التعبير عن عمق العلاقات بينهما"، وأضاف: "على مدى عقود، خصوصاً في ظل حكم آل الأسد لسوريا، شابت تلك العلاقات إشكاليات متعددة، وصلت إلى حدّ بسْط سوريا سطوتها السياسية والعسكرية على لبنان، لأكثر من عقدين من الزمن. ولم تنتهِ تلك السطوة، إلا بالقرار الدولي رقم 1559، بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري عام 2005، وما أعقب ذلك من انسحاب سوري من لبنان".
وتابع: "بعد ذلك بسنوات، بدأت الشرارات الأولى للحرب السورية، التي أثبتت مرة جديدة مدى تأثر كل بلد من البلدين بما يحدث في أي منهما، بدءاً بتدفق اللاجئين السوريين على لبنان، وصولاً إلى إعلان حزب الله عام 2013، انضمامه إلى الحرب السورية، دعماً للنظام الحاكم في دمشق، وما خلّفه ذلك من تبعات عسكرية وسياسية كبيرة".
ورأى التقرير أن "سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، مهام الحكم، لم يُنْهِ الملفات الخلافية بين البلدين، وإن كان قد سمح بفتح صفحة جديدة بينهما - لا تزال غير واضحة المعالم"، وأضاف: "تُعتبر أبرز الملفات العالقة بين البلدين، هي تلك المتعلقة بالسجناء السوريين في السجون اللبنانية، وترسيم الحدود، ومسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم".
ويقول التقرير إنه "منذ سقوط نظام بشار الأسد، يُطالب المسؤولون الجدد في سوريا، بإطلاق سراح معتقلين سوريين وآخرين لبنانيين يُصنَّفون بالإسلاميين، من السجون اللبنانية، أو تسليمهم للسلطات السورية الحالية"، وأضاف: "رغم عدم وجود أرقام دقيقة للسجناء السوريين في لبنان، فإن التقديرات تشير إلى أن عددهم يبلغ نحو ألفين، جزء كبير منهم، اعتُقل بتهم تتعلق بمناصرة الثورة السورية سابقاً".
وتابع: "يتوزع هؤلاء بين محكومين وموقوفين، كما تتراوح التهم الموجهة إليهم، بين جنح وجنايات، وأخطرها تلك التي تتعلق الإرهاب، أو قتل عناصر من الجيش اللبناني، أو العناصر الأمنية اللبنانية. وعملياً، سيكون أي حلّ لملف هؤلاء، هو الأصعب مع رفض السلطات اللبنانية، الإفراج عن أي شخص مسجون بهذه التهم".
وقال: "من المقرر، أن يتمّ توقيع اتفاقيات قضائية بين لبنان وسوريا، تسهم في معالجة ملف السجناء السوريين، بينما لم يتم تأكيد مسألة ما إذا ما كان أي اتفاق أو تسوية في هذا الشأن، سيشمل سجناء لبنانيين أيضاً. وفي هذا الإطار، قد يكون حلّ ملف هؤلاء، جزءاً مما تقول السلطات اللبنانية إنها خططٌ تُبحث لإصلاح النظام القضائي بشكل عام ومعالجة أوضاع السجون. كذلك، طُرحت أفكار من نوع تقليص السنة السجنية لـ6 أشهر فقط وغيرها، لكنها مسألة قد تأخذ على الأرجح، وقتاً طويلاً، وتُخلّف جدلاً كبيراً في لبنان".
واعتبر التقرير أن "ملف السجناء يبقى، رغم كل الإشكاليات التي تعتريه، أسهل من ملف ترسيم الحدود بين البلدين"، وأضاف: "تعود تلك المسألة إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قام الفرنسيون بتحديد الحدود بين البلدين دون أن تُرسّم بشكل مُحدّد بشكل كامل، ما فتح المجال أمام مغالطات، ونشوء أوضاع تبدو شاذة على الحدود بين البلدين. وعقب انهيار الدولة العثمانية قبل أكثر من مئة عام بقليل، وُضع كل من لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي".
وتابع: "تمتد تلك الحدود على طول نحو 375 كيلومتراً بين الشرق والشمال، وتظهر في مناطق كثيرة مساحات متداخلة بين سوريا ولبنان، يصعب جداً على من يزورها، معرفة إذا ما كانت واقعة على الجانب اللبناني أو السوري من الحدود. أيضاً، تتميّز المنطقة الحدودية بوجود تضاريس طبيعية وعرة من الجبال والقمم والأنهار".
وقال: "لقد أدى عدم ترسيم الحدود ووجود خرائط مختلفة بشأنها، إلى نشوب نزاعات على أراضٍ، أبرزها منطقة مزارع شبعا. مع هذا، يقول لبنان إن تلك المنطقة لبنانية، بينما تناقضت تصريحات مسؤولي النظام السابق في دمشق بشأن هويتها، بين لبنانية وسورية. كذلك، تحتل إسرائيل هذه المنطقة منذ عام 1967، وهي تعتبرها جزءاً من الجولان السوري، بينما يطالب لبنان إسرائيل بالانسحاب منها، باعتبارها أراضيَ لبنانية".
وأوضح أن "تداخل الحدود، سمح بتفشي ظاهرة تهريب البضائع بين لبنان وسوريا، وانتشار عدد كبير من المعابر غير الشرعية، التي تُستخدم أيضاً لتهريب المخدرات والسلاح وغيرها من الممنوعات".
أما الملف الآخر، الذي يعتبر لبنان معالجته أولوية، فهو قضية اللاجئين السوريين في البلاد، وأضاف: "كان مئات الآلاف من السوريين، لجأوا إلى لبنان هرباً من الحرب السورية ومما قالوا إنه اضطهاد من نظام الحكم السابق، ما حوّل لبنان إلى البلد الذي يضم أكبر عدد لاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه. مع هذا، تقول السلطات اللبنانية إن بقاء هؤلاء في البلاد لأعوام طويلة، شكّل عبئاً اقتصادياً وديموغرافياً كبيراً على لبنان، الذي يريد عودتهم إلى سوريا، خصوصاً بعد تغير الأوضاع فيها".
وقال: "في الفترة الأخيرة، تشهد الحدود اللبنانية السورية حركة نشطة لعودة السوريين، واتخذت السلطات اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، سلسلة خطوات تحفيزية لتشجيع هؤلاء على العودة، لكنها تراهن أيضاً على تعاون السلطات السورية الجديدة معها، لتسريع عودة أعداد أكبر منهم".