كتب طوني عيسى في" الجمهورية": تدرك
إسرائيل أن تخلّي "
حزب الله" عن كل سلاحه هو خط أحمروجودي بالنسبة إليه. إنّه جزء من عقيدته وتركيبته السياسيةوالعسكرية. وفي أي مفاوضات محتملة، هو لا يقبل بتجاوز الحلالوسط في مسألة سلاحه، أي التخفيف منه شكلاً وموقّتاً في جنوب الليطاني، مع رفض قاطع للمسّ به في المناطق الأخرىكلها، أي شمال النهر، حيث يرجح وجود الثقل الحقيقي للمخزوالاستراتيجي. وهنا، تمارس إسرائيل خديعة، وتستثمر في تقاطعالمصالح المثير، إذ يتبين أنّ مصلحتها الخبيثة تكمن في الإبقاء على جزء بسيط من سلاح "حزب الله"، وتحديداً الأسلحة ما دون الاستراتيجية (بعد إزالة الصواريخ الدقيقة التوجيه والمسيّراتالمتقدمة وما يوازيها(، بحيث تحتفظ بالذريعة الدائمة لاستمرار الضغط العسكري والاستخباراتي على
لبنان. وهذا العنوان عن"خطرٍ متبقٍّ في لبنان" تستخدمه لتشرعن أمام العالم استكمال مخططاتها التوسعية المعلنة وغير المعلنة في جنوب الليطاني،وربما حتى نهر الأولي، تحت مسمّى "تأمين الحدود".
وفي عبارة أوضح، حتى لو تخلّى "حزب الله" عن سلاحه بكامله،ستجد إسرائيل أنّ مصلحتها تقتضي اتهامه دائماً بأنّه يحتفظبالسلاح لتبرير المضي في مخططاتها التوسعية في لبنان. وسيكون على الدولة
اللبنانية أن تبذل كل الجهود مع
الأميركيين والفرنسيين والسعوديين والقطريين والمصريين لتكشف فعلاً عن كل مواقع "الحزب" (السابقة) في كل لبنان، وإظهار الحقائق ميدانياً،ما ينزع الذرائع
الإسرائيلية تماماً. مشكلة لبنان حالياً تكمن في أنّ "حزب الله" نفسه يصرّ على إثبات "الاتهام"
الإسرائيلي بأنّه يحتفظ بالسلاح، ويرفض التخلّي عنه للجيش بأي ثمن، بل إنّها ستعاد جزءاً من قدراته العسكرية التي خسرها في الحرب. فهو يعتبر ضمناً أنّ احتفاظه بمخزون الأسلحة في شمال الليطاني،ولو بعيارات لا تشكّل خطراً على إسرائيل، إنما يتيح له على الأقل الاحتفاظ بالهيبة السياسية والمبرر الداخلي لوجوده وسلاحه، أمام بيئته ومؤيديه واللبنانيين عموماً. أي إنّ إسرائيل لا تريد "نزعالسلاح" في المطلق، بل "نزع فاعلية السلاح"، أي كف يد"الحزب" عن إطلاق الصواريخ الاستراتيجية والمسيّرات، وتعطيلأي نوع من الأسلحة يمكن أن يهدّد أمنها من قريب أو بعيد. وبعدذلك، في العمق اللبناني، فليتدبّر اللبنانيون أمورهم في ما بينهم،فقد يبقى السلاح الخفيف والمتوسط وبعض السلاح الثقيل مصدرإزعاج داخلي لبناني أو لا يبقى.
والمثير في هذا الشأن، كلام صدر للمرّة الأولى، قبل أيام، على"احتواء السلاح" شمال الليطاني. فمصادر المؤسسة العسكريةأوردت هذا المصطلح، وكذلك الرئيس نواف سلام أورده علناً قبل يومين، في تطوّر يُعتبر غير مسبوق. وربما تتلقف إسرائيل فكرة"الاحتواء" شمال الليطاني أو على الأرجح شمال الأولي، طبعاً بعد التخلص من السلاح الذي يشكّل تهديداً لها، كتسوية مناسبة،لأنّ هذا السلاح لا يهدّد مصالحها الأمنية، بل ينام في المخازن حتى يصيبه الصدأ، أو يُبتكر له حلّ مناسب في السياسة.