في السنوات الأخيرة عاد مصطلح "الدولار الأسود" إلى التداول، ليس بوصفه تعبيراً عن سعر العملة في السوق الموازية، بل كواجهة لعمليات نصب معقّدة تُغلَّف بخطاب عن التهريب والسرّية وحماية "أموال كبيرة" من الملاحقة. هكذا يجد كثيرون أنفسهم بين ليلة وضحاها أمام عروض مغرية لشراء "دولارات مسوَّدة" يفترض أنّها هُرِّبت من دول مضطربة أو خاضعة لعقوبات، على أمل تحويلها إلى ثروة نظيفة خلال ساعات.
حكاية الدولار الملوَّن… وغطاء "التهريب الآمن"
في السيناريو الأكثر شيوعاً، يعرض المحتال على ضحيته حقيبة مليئة بأوراق سوداء مقصوصة على قياس ورقة المئة دولار، مع رواية جاهزة: هذه أموال حقيقية جرى "تسويدها" (صبغها بمادة سوداء) كإجراء أمني خلال تهريبها عبر الحدود أو عبر مطار ما، تفادياً للجمارك والعقوبات والمصادرة.
بهذه الرواية، يتحوّل التهريب من فعل مجرّم إلى "حيلة ذكية"، ويُقدَّم للضحية كدليل على دهاء أصحاب الأموال، لا كجرس إنذار.
ولتعزيز الإقناع، يجري أمام الضحية "استعراض كيميائي".. تُختار ورقة سوداء، يُسكب عليها سائل معيّن، ثم تُمسح لتظهر فجأة ورقة مئة دولار سليمة. في الواقع، تكون الورقة إمّا حقيقية مغطاة بطبقة قابلة للإزالة، أو يجري استبدالها بخفّة يد محترفة. هنا يلتقي عنصران أساسيان في كل عملية تهريب مشبوهة: السرّية المطلقة، واختبار الثقة.
على المستوى الأوسع، تعكس ظاهرة "الدولار الأسود" جانباً من اقتصاد الظل الذي ينمو على هوامش الأزمات. فالمحتال لا يبيع ورقة ملوّنة فقط، بل يبيع وهم الوصول إلى عالم المال غير الخاضع للرقابة، فهذه الأموال تمرّ فوق الحدود، خارج الأنظمة المصرفية، وبعيداً عن أعين السلطات.
في هذا السياق، يقول مصدر أمني لـ"
لبنان24" : لا تقف خطورة "الدولار الأسود" عند حدود خسارة مبالغ مالية لمن يقع في الفخ. فالدخول في صفقات مرتبطة بأموال يُقال إنّها "مهرَّبة" يضع الأفراد أيضاً على تماس مباشر مع شبهات تبييض الأموال وتهريب العملة، حتى لو كانوا يظنون أنفسهم مجرّد ضحايا.
يضيف:" في كثير من الحالات، لا يملك الضحية أي مستند قانوني يبرّر حيازة هذه "الأموال الملوّنة"، وفي حال انفجار القضية أمام
القضاء، يجد نفسه أمام أسئلة صعبة: من أين حصل عليها؟ ما مصدرها؟ ولماذا قبل بالتعامل خارج النظام المصرفي؟"
بالتوازي، يؤكد المصدر أن القوى الامنية تمكنت خلال الفترة الماضية من إلقاء القبض عل عصابات توهم المواطنين بقدرتها على تأمين دولار أسود بالاضافة إلى السائل الذي يستخدم لإزالة الصبغة عنه، مشيرا إلى أنّ هذه العمليات ليست مستجدة، فهي موجودة من قبل، ولا بد للبنانيين من أن ينتبهوا إلى عمليات الاحتيال التي قد توقع بهم، إذ إن المحتالين قد يوهمون المواطنين بتأمين سوائل لإزالة هذه الصبغة، إلا أنّه في الحقيقة قد لا يكون هناك أي دولار تحت هذه الصبغة.
ويحذّر المصدر من أنّ هناك بعض المحتالين الذين قد ينفذون عرضا أمام المشتري يوهمه بأن المواد التي تغطي الدولار تزيل الصبغة، إلا أنّ هذا الامر قد يكون خدعة، لا تشمل كافة الاوراق الاخرى، حتى ولو كان الدولار حقيقيا.