تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

القضاء يكسر معادلة النفوذ… شاطئ ذوق مصبح يُنتزع من النافذين ويعود للدولة

مهدي ياغي - Mahdi Yaghi

|
Lebanon 24
12-12-2025 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1454092-639011326159901097.png
Doc-P-1454092-639011326159901097.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
يُقصد بالأملاك العمومية البحرية في لبنان كل المساحات الملاصقة للشاطئ حتى أبعد نقطة تبلغها مياه البحر في فصل الشتاء، بما فيها الشواطئ الرملية والصخرية، وهي تعود ملكيتها للدولة ولا يمكن بيعها أو تملّكها بالتقادم. المرجع الأساسي المنظّم لهذه الأملاك هو القرار رقم 144/S الصادر عام 1925 إبّان الانتداب الفرنسي، والذي لا يزال مطبّقاً حتى اليوم. هذا القرار يسمح بمنح إشغال مؤقّت لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد ولكن وفق شروط صارمة تمنع حرمان المواطنين من الوصول إلى البحر وتحصر الاستخدام الخاص بمشاريع ذات منفعة عامة أو ضرورة سياحية أو صناعية واضحة كما تمنع إقامة أبنية ثابتة ودائمة وتكتفي بتجهيزات خفيفة بنسبة إشغال محدودة وعلو لا يتجاوز ستة أمتار مع اشتراط أن يكون طالب الترخيص مالكاً لعقار ملاصق للشاطئ وألا تتجاوز المساحة البحرية المسموح إشغالها ضعف مساحة عقاره الخاص.

من الشاطئ العام إلى منتجعات خاصة

هذه المنظومة القانونية وُضعت أساساً لضمان بقاء الواجهة البحرية ملكاً مشتركاً ومنع تحويلها إلى مشاريع مغلقة تعزل الناس عن البحر إلا أنّ الواقع جاء مغايراً تماماً إذ يشهد الشاطئ اللبناني تعديات واسعة تحوّلت معها مساحات كبيرة من الساحل إلى منتجعات ومرافئ ومنشآت خاصة يديرها في معظم الأحيان أصحاب نفوذ سياسي أو مالي إمّا عبر استغلال ثغرات قانونية وإمّا بخلاف القانون بشكل صريح. وتُظهر الدراسات الميدانية أن نحو ثمانين في المئة من الساحل اللبناني محجوب بأسوار ومنشآت ومرافئ خاصة تمنع فعلياً وصول المواطنين إلى البحر. ووفق "جمعية نحن" هناك أكثر من ألف ومئة إشغال غير شرعي تمتد على ما يزيد عن عشرة ملايين متر مربّع في حين أن الإشغالات المُشرعَنة بمراسيم رسمية لا تتعدّى بضع عشرات. ورغم سنّ قوانين لفرض رسوم وضرائب على شاغلي الأملاك البحرية تبقى عوائد الدولة شبه رمزية مقابل خسائر ضخمة تُقدَّر بمئات ملايين الدولارات سنوياً نتيجة ترك الإشغالات غير القانونية بلا معالجة جدّية ما حوّل الشاطئ إلى غنيمة لفئة قليلة على حساب المصلحة العامة وحق الناس الطبيعي بالبحر.

حكم مجلس شورى الدولة يعيد ذوق مصبح إلى الملك العام
في الثالث والعشرين من تشرين الأول 2025 أصدر مجلس شورى الدولة حكماً مفصلياً قضى بإبطال مرسوم حكومي صدر عام 2018 كان قد منح شركة خاصة حق إشغال مساحة كبيرة من الأملاك البحرية في ذوق مصبح. هذا المرسوم أتاح لشركة Dream by the Sea S.A.L. إشغال نحو سبعين ألف متر مربّع من الواجهة البحرية العامة لإقامة منتجع ومجمّع سياحي يضم مرسى لليخوت ومرافق ترفيهية وتجارية ورياضية. وتعود غالبية أسهم الشركة لرجل الأعمال داني خوري

أسباب الإبطال القانونية والإدارية
قرار مجلس الشورى استند إلى مخالفات جوهرية أبرزها أن المشروع يقوم على إنشاء أبنية ثابتة كالفنادق والمراسي في حين أن القوانين لا تجيز سوى تجهيزات خفيفة ومؤقّتة كما تجاهل المرسوم رأي المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي كان قد أعطى رأياً سلبياً للمشروع إضافة إلى أن إشغال هذه المساحة الضخمة كان سيؤدي عملياً إلى فصل جزء كبير من الشاطئ وتحويله إلى منطقة مغلقة أمام المواطنين. واعتبر المجلس أن الترخيص الذي وُصف بالمؤقّت تحوّل في مضمونه إلى امتياز طويل الأمد بفعل آلية التجديد التلقائي ما يخالف جوهر مفهوم الإشغال المؤقّت الذي لا يُنشئ حقوقاً مكتسبة على الملك العام. وبناءً على ذلك أُبطل المرسوم وأُعيدت المساحة إلى الملك العام وسقط المشروع السياحي المخطّط له كما أكّد المجلس ضرورة إجراء دراسة أثر بيئي لأي مشروع على الملك البحري مستنداً إلى قانون حماية البيئة رقم 444/2002.



دور الجمعيات البيئية في إسقاط المرسوم

هذا التحوّل لم يكن وليد صدفة بل نتيجة عمل تراكمي قادته جمعية "الخط الأخضر" و"جمعية نحن" بدعم قانوني من المفكرة القانونية إذ سارعت هذه الجهات إلى تقديم طعن بالمرسوم منذ أواخر عام 2018 ومتابعته لسنوات حتى صدور الحكم. وأهمية هذا القرار لا تكمن فقط في إلغاء المرسوم بل في اعتراف مجلس شورى الدولة بوضوح بأهلية الجمعيات البيئية للتقاضي دفاعاً عن المصلحة العامة بعدما كان هذا الأمر يُستخدم سابقاً لردّ دعاوى مماثلة بحجة غياب المصلحة الشخصية المباشرة.

سابقة قضائية تعزّز حماية الأملاك العامة

الأثر القانوني للحكم يتجاوز ذوق مصبح إذ يكرّس مبدأ أن مراسيم تخصيص الشاطئ ليست بمنأى عن الرقابة القضائية ويعيد التأكيد أن المنفعة العامة تتقدّم على المصلحة الخاصة وأن كل إشغال للملك العام يجب أن يبقى هشّاً وقابلاً للإلغاء ولا يتحوّل إلى حق مكتسب. كما يعزّز دور القانون البيئي والجمعيات المتخصّصة في مواجهة التعديات ويفتح الباب أمام طعون مستقبلية مماثلة.

التنفيذ هو الامتحان الأصعب
رغم أهمية الحكم يبقى الامتحان الحقيقي في التنفيذ الفعلي عبر إزالة أي إنشاءات ومنع أي استثمار على أساس المرسوم الملغى وهو ما سيكشف مدى استعداد الدولة لترجمة القرار إلى واقع ملموس.
فالقرار يفتح الباب أمام إعادة فتح ملفات أخرى مثل شاطئ الناعمة والدامور إضافة إلى آلاف التعديات غير المرخّصة التي تحتاج إلى قرارات إدارية وجزائية حازمة وإرادة سياسية جدّية كما يعزّز المطالب بإقرار قانون متكامل وعصري لحماية الشواطئ.

هل تكون ذوق مصبح بداية استعادة الشاطئ؟
تحرير سبعين ألف متر مربّع من شاطئ ذوق مصبح لا يُختصر برقم أو بقرار إداري بل هو إشارة واضحة إلى أن وضع اليد على الأملاك العامة ليس قدراً محتوماً. القرار أظهر أن القضاء قادر على كبح الامتيازات غير المشروعة وأن المجتمع المدني قادر على خوض معارك قانونية معقّدة وأن اللبنانيين قادرون على استعادة جزء من حقهم الطبيعي بالبحر. وإذا ما استُثمر هذا الحكم لإطلاق مسار أوسع من الطعون والإصلاحات فقد يشكّل بداية فعلية لنهاية زمن الشواطئ المسلوبة وبداية استعادة البحر كفضاء مشترك لجميع اللبنانيين.
 
Advertisement
المصدر: خاص لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

مهدي ياغي - Mahdi Yaghi