عقد مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط مؤتمره السنوي الثامن في
بيروت تحت عنوان "احتواء الشرذمة؟
الشرق الأوسط والعالم في عام 2026"، بمشاركة باحثين وصنّاع سياسات من مكاتب كارنيغي حول العالم، إلى جانب مسؤولين لبنانيين وخبراء إقليميين ودوليين.
وشارك في المؤتمر
نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، ووزراء الاقتصاد عامر بساط، والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، والثقافة غسان سلامة، حيث ناقش المشاركون، على مدى يوم كامل وخمس جلسات رئيسية، التحولات الدولية والإقليمية، وتداعياتها على الشرق الأوسط ولبنان.
في كلمته الافتتاحية، اعتبر نائب رئيس مؤسسة كارنيغي مروان المعشّر أن النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب الباردة يواجه ضغوطًا غير مسبوقة، وسط تراجع مفهوم القيادة الأميركية التقليدية وصعود عالم أكثر تقلبًا وتنافسًا. ورأى أن بيروت ما زالت مساحة فريدة للنقاش الفكري في المنطقة.
من جهتها، أشارت مديرة المركز مهى يحيى إلى أن المنطقة دخلت منذ 7 تشرين الأول 2023 مرحلة توسّع الحروب وتداخل ساحاتها، مع تراجع محور
إيران الإقليمي، وسقوط نظام
الأسد، ووصول المواجهات إلى طهران وتل أبيب، في ظل غياب أي نظام إقليمي مستقر.
وفي الجلسة الافتتاحية، قال نائب رئيس الحكومة طارق متري إن الحكومة تواجه ضغوطًا خارجية وإصلاحات مشروطة، معتبرًا أن بسط سلطة
الدولة على كامل أراضيها لا يزال تحديًا أساسيًا. وأكد أن الجيش يحقق تقدمًا تدريجيًا في ملف السلاح، مع الانتقال المتوقع إلى مرحلة توسيع انتشاره شمال الليطاني، من دون جدول زمني واضح.
وتناول متري العلاقات مع
سوريا، مشيرًا إلى فرصة لبناء علاقة ندّية، معتبراً أن ملف المعتقلين هو العقبة الأكثر إلحاحًا، إلى جانب التعاون الأمني وضبط الحدود وعودة اللاجئين، حيث سُجّلت عودة نحو 400 ألف لاجئ حتى الآن.
في الجلسة الأولى، رأى وزير الاقتصاد عامر بساط أن التجارة العالمية تحوّلت إلى أداة سياسية، وأن الشرق الأوسط عاد إلى واجهة أمن الطاقة، مؤكدًا أن
لبنان لا يستطيع الخروج من مركزية الخليج اقتصاديًا، وأن أي دعم خارجي مشروط بإصلاحات داخلية.
وناقشت جلسات لاحقة الترتيبات الأمنية بعد عامين من الحرب، حيث شدد المعشّر على الهيمنة العسكرية
الإسرائيلية، وضعف الدولة العربية أمام الفاعلين غير الدولتيين، وتراجع فرص السلام في ظل تهميش القضية
الفلسطينية.
وفي جلسة الذكاء الاصطناعي، قال وزير التكنولوجيا كمال شحادة إن لبنان يمتلك الكفاءات البشرية لكنه يفتقر إلى البنى التحتية، كاشفًا عن توجه لإطلاق "سفارات معلومات" واتفاقيات رقمية ثنائية، مع مؤشرات على عودة شركات تكنولوجية كبرى.
أما الوزير غسان سلامة، فاعتبر أن العالم يشهد انتقالًا من الليبرالية إلى القومية، ومن القوة الناعمة إلى الصلبة، ما ينعكس مباشرة على الشرق الأوسط. وشدد على أن لبنان ليس في موقع المواجهة العسكرية، وأن تعزيز موقعه التفاوضي يمر عبر الوحدة الوطنية وتحديد واضح لأهداف التفاوض.
واختُتم المؤتمر بجلسة حول مستقبل "محور المقاومة"، في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، على أن تُختصر خلاصاته في تشخيص مرحلة دولية مشرذمة، تفرض على دول المنطقة إعادة تموضع سياسي وأمني واقتصادي دقيق مع اقتراب عام 2026.