أيام قليلة تفصل المنطقة عن انتقال زمني مثقل بالقلق، مع اقتراب عام جديد تتكدّس معه مؤشرات التصعيد، إذ تتراكم على
لبنان وإيران والعراق موجات ضغط سياسية وعسكرية مرشحة للتفاقم. وفي هذا المناخ المضطرب، يتحرك المشهد الإقليمي بوتيرة متسارعة، تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الهواجس الأمنية، بما يوحي بأن الأسابيع المقبلة تحمل اختبارات مفصلية تتجاوز إطار الرسائل الدبلوماسية التقليدية وتلامس جوهر التوازنات القائمة.
في هذا السياق، تشير المعطيات إلى أن
واشنطن دفعت باتجاه خطوة لبنانية رسمية تقوم على إعلان إنجاز مهمة الجيش في حصر السلاح جنوب الليطاني، بما يواكب مرحلة سياسية أكثر حساسية تمتد تلقائياً إلى ما بعد النهر. وفي المقابل، يُسوَّق لهذا المسار على أنه إجراء يهدف إلى توفير ضمانات أمنية تطمئن
إسرائيل الى أن الحدود الجنوبية خرجت من دائرة التهديد المباشر، إلا أن ما يجري خلف الكواليس يتجاوز البعد الإجرائي، إذ تَسرّبت معلومات تفيد بأن "
حزب الله" قد تبلّغ بأن المرحلة تستدعي موقفاً سياسياً علنياً يصدر عن أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، ويتصل مباشرة بمسألة الانسحاب من جنوب الليطاني، وهو ما رفع منسوب الترقب انتظاراً للكلمة المرتقبة يوم الأحد، عشية اللقاء المنتظر بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي
دونالد ترامب.
الأسئلة المتداولة تتمحور حول طبيعة الموقف الذي سيعلنه قاسم، وحول السقف الذي سيضعه "الحزب" إزاء توسيع عملية حصر السلاح نحو شمال الليطاني. وفي هذا الإطار، تشير مصادر أمنية مطلعة إلى أن "حزب الله" أبدى تعاوناً واضحاً في الجنوب، وهو ما انعكس تسهيلاً فعلياً لمهمة الجيش، غير أن المقاربة شمال النهر تختلف جذرياً، إذ يعتبر "الحزب" أن هذا المسار يفتح الباب أمام احتكاك مباشر بين الجيش والبيئة الحاضنة، بما يحمل مخاطر توتر داخلي قد يتدحرج نحو فتنة تهدد ما تبقّى من توازن داخلي.
بالتوازي، يتجه الاهتمام إلى واشنطن حيث يسعى نتنياهو، بحسب تقديرات سياسية، إلى دفع الإدارة الأميركية نحو مواجهة جديدة مع
إيران، على أن تسبقها ضربات مركزة ضد "حزب الله" و"انصار الله" في اليمن، بما يتيح لإسرائيل تفريغ الساحات المحيطة وعزل طهران. ضمن هذا التصور، يبرز رهان إسرائيلي على دفع لبنان إلى اهتزاز أمني داخلي عبر وضع الجيش في موقع صدام مع "الحزب"، ما من شأنه أن يخلط الأوراق ويخلق واقعاً فوضوياً يخدم الأهداف العسكرية. غير أن المؤشرات الآتية من العاصمة الأميركية توحي بتباين واضح في الرؤية، إذ يدرك
ترامب أن أي انفجار داخلي لبناني قد ينزلق إلى مسارات إقليمية مفتوحة يصعب التحكم بنتائجها.
وتذهب المصادر نفسها إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن أي حرب إسرائيلية واسعة على لبنان ستقابل بتدخل إيراني سريع، في ضوء قراءة إيرانية مختلفة للمشهد تقوم على تجاوز سياسة الانتظار
الطويل، والتعامل مع الوقت بوصفه عاملاً ضاغطاً لا يسمح بالمماطلة. ومن هنا، تعكس هذه المقاربة قناعة راسخة بأن ميزان الردع الإقليمي دخل مرحلة جديدة، تتداخل فيها الساحات وتتقلص المسافات بين القرار والتنفيذ.
من هنا، يبقى مصير المنطقة معلّقاً على نتائج اللقاء الأميركي-
الإسرائيلي، وعلى قدرة ترامب على كبح اندفاعة نتنياهو نحو التصعيد. وفي حال فشل الأخير في انتزاع ضوء أخضر أميركي لمغامرته، تبرز تساؤلات حول مستقبله السياسي، خصوصاً في ظل تداول حديث عن مخرج محتمل يقوم على منح نتنياهو عفواً مشروطاً بخروجه من الحياة السياسية. وبين هذه الاحتمالات، تقف المنطقة عند مفترق دقيق، حيث تتشابك الضغوط الدولية مع حسابات الداخل، وتصبح أي خطوة غير محسوبة شرارة لمسار قد يعيد رسم خرائط النفوذ والاستقرار في
الشرق الأوسط.