تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

هل يُنقذ "قانون الفجوة المالية" الودائع أم يُعيد توزيع الخسائر؟

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
23-12-2025 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1458825-639020825674584549.jpg
Doc-P-1458825-639020825674584549.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
مع فتح الحكومة، رسميًا في جلسات مجلس الوزراء، ملف "قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع" (أو "قانون الفجوة المالية")، يمكن القول إنّ البلاد دخلت، عمليًا، في اختبار "ثقيل" مؤجَّل منذ ستّ سنوات، أي منذ الانهيار الاقتصادي وما ترتّب عليه على مستوى أزمة الودائع غير المسبوقة، وقوامه مدى إمكانية تحويل "الاعتراف بالخسائر" إلى مسار قانوني قابل للتنفيذ، من دون أن يتحوّل القانون نفسه إلى غطاء لقصّ الودائع أو لتصفية المسؤوليات.
 
على الورق، تقول المقاربة الحكومية إنها تريد من خلال مشروع قانون"الفجوة المالية" إنهاء "مرحلة الفوضى" وفتح مسار "استعادة الحقوق" وحماية الاستقرار الاجتماعي، وإعادة بناء الثقة بالنظام المالي، مع حماية الشريحة الأوسع من المودعين عبر حد مضمون يصل إلى 100 ألف دولار خلال أربع سنوات، فيما تُحفظ "القيمة الاسمية" لبقية الودائع بسندات يضمنها مصرف لبنان تستحق بعد 10 و15 و20 سنة.
 
وإذا كانت أهمية هذا القانون تكمن في ما ينطوي عليه من تحوّل في المقاربة من إنكار الخسائر وتركها تتوزّع عشوائيًا، إلى الاعتراف بها وتنظيمها ضمن مسار قانوني قابل للتنفيذ، أقلّه على الورق، فإنّ المفارقة المثيرة للانتباه تمثّلت في ما يمكن وصفه بـ"التقاطع النادر" بين مصالح متناقضة على رفض الصيغة المطروحة، كما لم تتقاطع حتى على عنوان "الإنقاذ" الذي تتفاوت مفاهيمه بين قطاع وآخر، هل اصطدم "قانون الفجوة" باكرًا بالألغام والعراقيل؟
 
المقاربة الحكومية: إطار تشريعي متكامل
 
بحسب ما رشح من النقاشات الوزاريّة حتى الآن، فإنّ المقاربة الحكومية تقوم من حيث المبدأ على "إطار تشريعي متكامل" يسبق ما اعتاده اللبنانيون من تعاميم واستنسابية، ويضع مسارًا يبدأ بالتدقيق والتقييم، من مصرف لبنان إلى المصارف واحدًا واحدًا، عبر مراجعة جودة الأصول وما شابه، قبل الانتقال إلى إعادة التوازن، استكمالاً لما تعهّدت به الحكومة في بيانها الوزاري، وكرّره رئيسها نواف سلام في أكثر من مناسبة.
 
أما في الجوهر، فيبدو أنّ الفكرة السياسية التي تحاول الحكومة تثبيتها بسيطة، وقوامها أنّ "لا خروج من الأزمة من دون تسمية الخسائر وتنظيم توزيعها بدل تركها تُستنزف عشوائيًا وبصمت". وهذا بالتحديد هو ما جعل المشروع يوصف بأنه "تحوّل في المقاربة" من إنكار الخسائر إلى الاعتراف بها ضمن مسار قانوني “قابل للتنفيذ"، علمًا أنّ رئيس الحكومة قال في معرض الدفاع عن المشروع أنّه ليس مثالياً، لكنّه يراعي إمكانات الدولة.
 
أما الوعد الأكثر جاذبية للجمهور، في مشروع القانون الذي حذّر سلام من "خطورة" التأخّر في إقراره، فهو "حماية" ما يقارب 85% من المودعين عبر تمكينهم من قبض حد مضمون يبلغ 100 ألف دولار خلال أربع سنوات، مقابل تحويل ما يتجاوز السقف إلى سندات طويلة الأجل (10 و15 و20 سنة) بضمانة مصرف لبنان، بما يُقدَّم بوصفه حفظًا للقيمة الاسمية. هنا بالذات، تحاول الحكومة أن تربح معركة العنوان: "لا شطب للودائع.. بل جدول زمني لاستعادتها".
 
أين تتبخر الأهداف.. ولماذا تتوسع الاعتراضات؟
 
لعلّ المشكلة الجوهرية التي يصطدم بها هذا الطرح الحكومي تكمن في أن "العدالة" في بلدٍ يفتقد الثقة لا تُقاس بالشعارات، بل بموازين التنفيذ، فما هو "قابل للتنفيذ" نظريًا، قد لا يكون كذلك عمليًا. وهنا تبرز الإشكالية الأولى، وربما الأكبر، وهي التي تتمحور حول سؤال بسيط، هو: "من يدفع؟". فالمشروع، كما تُقرأ خطوطه العامة، يُعيد إنتاج الصراع القديم حول تراتبية الخسائر، لكن هذه المرة تحت سقف قانون، وهو ما دفع المصارف إلى التحذير من تحميلها "ما يفوق القدرة"، على حدّ وصفها.
 
هنا، ثمّة من يشير إلى نقطة إشكاليّة ثانية ترتكز على عامل الوقت، الذي لا يبدو هنا تفصيلًا تقنيًا بل جوهر الخسارة. فحين يُقال للمودع إن جزءًا من أمواله سيُحوَّل إلى سندات تمتد من 10 إلى 20 سنة، فالمعنى العملي لذلك، في اقتصاد هش وعملة فقدت استقرارها مراتٍ كثيرة، أن القيمة الفعلية تتآكل حتى لو بقيت "اسميًا" محفوظة. وهذا تحديدًا ما غذّى اعتراضات مجموعات من المودعين التي تسأل: من يضمن قيمة السندات بعد سنوات؟
 
في السياق أيضًا، تبرز في مشروع القانون مواد أثارت الجدل لكونها ذات "مفعول رجعي"، وهي تتعلّق بضرائب أو اقتطاعات أو تعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في خريف 2019، وهو ما اعتُبر ثغرة قابلة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، يُضاف إليها عامل سياسي بالغ الحساسية وهو اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي يجعل كثيرين يتعاملون مع القانون كقنبلة شعبية، ويزيد احتمالات "المزايدة".
 
لكلّ هذه الأسباب، تبدو "الجبهة الرافضة" لمشروع القانون واسعة، وعمليًا "أوسَع" من تلك المؤيدة لعنوان "الإنقاذ"، وهي تضمّ جمعيات مودعين وجمعية المصارف ونقابات ومجموعات مدنية وكتل سياسية، بعضها يرفض لأنه يريد تحميل الدولة أكثر، وبعضها يرفض لأنه يرى أن النص يشرعن قصّ الودائع، وبعضها يرفض لأنه لا يريد أي مسار يُقفل الباب على لعبة الوقت التي استفاد منها طوال السنوات الماضية.
 
استنادًا إلى كلّ ما تقدّم، قد لا يكون السؤال الأكثر واقعيّة اليوم هو حول ما إذا القانون "مثاليًا" فعلاً، بقدر ما يتركّز حول "الضمانات التي تمنع تحوّله إلى "تشريع للخسارة" في مكان ما. الجواب يتوقف على ما ستفعله الحكومة والبرلمان، فهل سيُعاد بناء النص بندًا بندًا لتثبيت المحاسبة، وحماية المودع فعليًا لا لفظيًا، وتحديد مسؤوليات الدولة والمركزي والمصارف بوضوح، ومنع تحويل "الزمن" إلى أداة قصّ جديدة، أم سنذهب إلى نسخة تُسوِّق "العدالة" وتُنتج، في التطبيق، عدالة مجتزأة تُرضي ميزان القوى لا ميزان الحق؟
بانتظار تبلور الصورة، تبدو البلاد أمام لحظة فاصلة: إمّا قانون يُنهي الفوضى بشروطٍ قابلة للعيش، وإمّا فوضى تستمر لأن الجميع وجد في "الرفض" ملاذًا… بلا بدائل!
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa