ترأس رئيس أساقفة أبرشية
طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، قداس عيد الميلاد عند منتصف الليل في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه خادم الرعية الخورأسقف
نبيه معوض ولفيف من الكهنة.
بعد الانجيل المقدس، القى سويف عظة اكد فيها ان "
لبنان يحتاج إلى ترميم كيان الدولة وتجديد الثقة حتى تنطلق مرافق الحياة بشكل سليم يشكل قاعدة راسخة لمستقبل زاهر"، وقال: "ليلة بيت لحم، أشرق نور من السماء وأعلن
الملائكة: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر (لو 2: 14). هذا الإعلان ليس مجرد نشيد، بل هو كشف لجوهر سر التجسد: أن المسيح هو سلامنا، وهو الذي جعل الاثنين واحدا، ونقض حائط السياج بينهما» (أف 2: 14). في المسيح التقت البشرية الممزقة، فتصالحت الشعوب، وتصالح العبد والحر، وصار الجميع واحدا في المسيح (غل 3: 28). إن الميلاد هو بداية المصالحة الكبرى، التي تجد كمالها في القبر الفارغ، حيث بزغ نور القيامة كما يشهد مار أفرام السرياني متأملا في موقف العذراء مريم: قد بزغ منها كما خرج من القبر شبه ضوء لاح. هكذا يتضح لنا أن الميلاد والمعمودية والموت والقيامة هم سر الحب الكبير، سر السلام الذي يحقق المصالحة بين الله والإنسان ويعيد إليه كرامته البنوية".
وتابع: "نحن مدعوون الى ولادة يومية في قلوبنا تتحقق بالروح
القدس، من خلال التوبة والاعتراف والمشاركة حول المائدة المقدسة. ومن خلال صداقة مع كلمة الله، التي هي مصباح لخطانا ونور لسبلنا (مز 119: 105). هذه الكلمة هي التي تجدد السلام فينا، سلاما داخليا يساعدنا على كسر الحواجز وطي الصفحات القديمة ومد الجسور فيما بيننا، بروح التواضع والوداعة كما عاش وعلّم الرب قائلا: تعلّموا مني أني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم (مت 11: 29). فتواضع المغارة هو الطريق إلى السلام الحقيقي".
واضاف: "الميلاد يفتح أمامنا أفقا جديدا: أن نكون صانعي سلام. فالسلام ليس مجرد عقد اتفاقيات لإنهاء الصراعات وإيقاف الحروب، بل هو أولا عطية الله للإنسان وثمرة الروح القدس. وأما ثمر الروح فهو محبة وفرح وسلام... (غل 5: 22). أمام المغارة، التقى الرعاة والمجوس معا، ليسجدوا للطفل الإله – قديم الأيام وملك السلام. الرعاة كالآباء ينتظرون مجيء المسيح المخلص، والمجوس كما سائر الأمم يبحثون عن الحق، هذا الحق الذي يحرر الإنسان؛ إنه يسوع المسيح الذي نأتي اليوم إلى مغارته، نسجد ونسبح ونعلن أنه هو مخلصنا، الذي يولد اليوم في قلوبنا، في الضمائر وفي المجتمع الإنساني. فعندما نتحد ونتصالح ونتحاب، عندها تتم ولادة السلام فينا، ويولد السلام في العالم كله".
وأكمل: "نشكر الله على نعمة زيارة قداسة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان، هذه الزيارة الرسولية الأولى التي تمت بعد حج مقدس، قام به
خليفة بطرس، يلتقي مع البطريرك المسكوني، للاحتفال بيوبيل المجمع النيقاوي الأول (325)، الذي أنشد السلام داخل الكنيسة وثبته في أرجاء الإمبراطورية. ولبنان الذي استقبل قداسة البابا بإيمان وفرح، دعي كي يكون ورشة سلام دائمة، بعد حروب دمرت البلد وشلت المؤسسات وهجرت الناس. فخيارنا الجوهري هو السلام وثقافة السلام والتربية على السلام وبناء السلام، هذا السلام الذي يشكل القيمة المشتركة بين كل الأديان التي تؤلف العائلة
اللبنانية الواحدة. لبنان يحتاج إلى ترميم كيان الدولة وتجديد الثقة حتى تنطلق مرافق الحياة بشكل سليم يشكل قاعدة راسخة لمستقبل زاهر. فتعالوا أيها الأحباء نعلن أمام الله وأمام بعضنا البعض أننا مسؤولون عن تحقيق السلام في وطننا ومساهمون في نشره في هذا الشرق الذي يتطلع إلى لبنان كنموذج عال للقاء والحوار وعيش الحرية".
وقال: "فيا أبناء الأبرشية وبناتها، معكم أشكر الرب، على اختتام السنة اليوبيلية المقدسة التي اختبرنا فيها أن الرجاء، أي المسيح، لا يخيب. لقد توجنا هذه المسيرة مع غبطة أبينا البطريرك
مار بشارة بطرس الراعي، لتكون بداية جديدة نتابعها بروح السينودالية، أي الوعي بأننا كنيسة – جماعة، نعبر من الأنا إلى النحن، بروح الشركة والشهادة والتدبير، وبروح الخدمة، تجاه كل إنسان متألم ومهمش وعطشان إلى الحب والحق والحرية. يتجسد السلام في الحياة اليومية من خلال وعينا الرسولي في الكنيسة والمجتمع الإنساني، ومن خلال حضورنا النوعي في مسيرة التربية والعناية بالأطفال والشبيبة وحمايتهم من كل الأفكار التي تدمر نفوسهم وقلوبهم، ونخلق معا فسحات رعوية وروحية وثقافية واجتماعية، ينمون فيها بالأخلاق والقيم".
وختم المطران يوسف سويف: "نتمنى لكم ميلادا مجيدا وسنة مباركة، تثمر السلام في بيوتنا ورعايانا وفي المجتمع، سائلين طفل المغارة، بشفاعة العذراء مريم، سلطانة السلام، أن يوصل لبنان إلى ميناء الوحدة والفرح والسلام. آمين".