نظّم مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في
الجامعة اللبنانية، بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، ندوة علمية بعنوان"السياسات الاقتصادية الأميركية والاقتصاد الدولي: مقاربة تحليلية لأدوات الهيمنة الاقتصادية"، وحاضر فيها العميد السابق لكلية الاقتصاد في جامعة لورانشن الكندية، البروفسور حسن بوكرين أستاذ الاقتصاد والمالية، في حضور مجموعة من الأساتذة وطلاب الدراسات
العليا في المعهد.
بو رضا
افتتحت الندوة بكلمة لرئيس مركز الأبحاث البروفسور حسين أبو رضا، رحب خلالها بالمحاضر والضيوف، مشددا على أهمية المقاربات العلمية النقدية لآليات الهيمنة التي يقدمها أكاديميون من داخل مركز النظام الرأسمالي العالمي"، مشيرا إلى "أنّ عنوان الندوة بالغ الأهمية، خصوصًا في الوقت الراهن، إذ تأتي في توقيت مفصلي لفهم تداعيات السياسات الاقتصادية الأميركية، خصوصا في ظل التوجّهات الاقتصادية خلال عهد
دونالد ترامب، وانعكاساتها على اقتصادات العالم والمجتمعات كافّة، وتداعياتها المجتمعية على الواقع اللبناني بشكل خاص".
محي الدين
قدّم للندوة الدكتور
عبد الله محي الدين منسّق مختبر الاقتصاد والتنمية في المركز، مستعرضا مجموعة من العوامل والأدوات والمؤسّسات التي تستخدمها
الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز هيمنتها الاقتصادية عالميا، ومن بينها المؤسسات المالية الدولية، نظام الدولار،
العقوبات، والتحكّم بسلاسل الإمداد. إلى جانب العوامل الداخلية التي تضعف من هذه القوّة والهيمنة، وتجعل من المجتمع
الاميركي مجتمعًا منقسمًا يعاني من دين عام متضخّم، ومن فجوة وانقسامات اجتماعية متّسعة، ومن اعتماد غير متوازن على قطاعات بعينها، الامر الذي يهدّد استدامة هذه الهيمنة.
وتطرّق إلى التحدّيات الخارجية، فأشار إلى "انتقال مركز الثقل الاقتصادي شرقًا، وتآكل الهيمنة الأميركية على سلاسل التوريد والابتكار بسبب صعود
الصين كقوّة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، ما يجعلها منافسًا استراتيجيًا، إضافة، إضافة إلى ظهور تكتّلات تجارية وجغرافية جديدة (بريكس، آسيان،
أفريقيا...)
حسن بوكرين
من جهته، قدّم البروفسور حسن بوكرين مداخلة شاملة تناول فيها "السياق التاريخي لصعود الهيمنة الاقتصادية الأميركية، والتي ساهمت في بروز الولايات المتحدة الاميركية كدولة امبريالية منذ بداية القرن التاسع عشر، منذ عقيدة مونرو في القرن التاسع عشر، التي تعتبر القارة الاميركية بشمالها وجنوبها هي الولايات المتّحدة الاميركية ولا يحق لاحد التدخّل فيها".
وتطرّق إلى دور الرئيس ماكنلي الذي "رسّخ هذا المسار الامبريالي، وفي العام 1909 دعا إلى ضم كندا كولاية ضمن الولايات المتّحدة الاميركية، فردّت كندا برفع الرسوم الجمركية ضد الواردات الاميركية وقد أدى ذلك إلى انكماش في الاقتصاد الاميركي وإنتعاش كبير للاقتصاد الكندي".
واعتبر" انّ الهيمنة على الاقتصاد العالمي تمّت تدريجياً من خلال مجموعة من الخطوات كان في مقدمتها مشروع مارشال، ومن ثم اتفاقية "بريتون وودز" وإنشاء مؤسّسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسّسات اخرى، وصولاً إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية وأخيراً التحكّم والسيطرة على مصادر الطاقة والنفط.".
ورأى بوكرين "أن السياسات الاقتصادية التي يعتمدها
دونالد ترامب اليوم تشكّل نسخة حديثة من السياسات الحمائية القديمة، لكنها تأتي ضمن إطار استثنائي يسمح للرئيس بتجاوز المؤسسات، مثل
الكونغرس والاحتياطي الفيدرالي، وتُستَخدَم لأغراض سياسية وشخصية أحيانًا، كابتزاز الشركات للحصول على إعفاءات جمركية مقابل دعم انتخابي أو مالي".
وأشار إلى "أنّ الاجراءات التي يفرضها ترامب حالياً هي لاستعادة للسياسات التي اعتمدها مكانلي من خلال رفع الرسوم الجمركية، مع فارق أنه يقوم بها عبر آلية تضعف سلطة المؤسّسات وفي مقدمتها الكونغرس الاميركي والاحتياط الفيدرالي، وتطلق سيطرة الرئيس في رفع الرسوم او تخفيضها وحتى الغاؤه على دول او سلع محددة، إستناداً إلى سلطات استنثابية يقرّرها بنفسه. وتسمح هذه الالية المنوطة بتقديرات استنثابية لشخص ترامب بابتزاز دول واصحاب رؤوس الاموال عبر قبول طلبات اعفائهم من دفع الرسوم الجمركية على واردات. ومقابل الاعفاء يتوجّب على اصحاب رؤوس الاموال تقديم هبات للحزب
الجمهوري أو حتى شراء العملة الرقمية المسماة على اسمه "دولرترامب" او حتى دفع ثمن "العشاء مع ترامب. وهذه الآلية تعبّر ايضاً عن الأزمة داخل المؤسّسات الاميركية".
وعرض بوركين إلى "محاولات الدول والتكتّلات الساعية إلى الخروج من سيطرة الدولار الأميركي في تعاملاتها الاقتصادية، عبر زيادة التوجّه العالمي نحو فك الارتباط بالدولار الأميركي في التجارة الدولية. فتجاوزت نسبة التبادل بالعملات الوطنية 50%، في ظل اعتماد البريكس وآسيا وأفريقيا على بنوك وتنظيمات مالية وطنية بديلة مثل البنك الاسيوي وبنك البريكس، وهذا ليس بالأمر البسيط، بل يُهدّد استمرارية الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي".
واختُتمت الندوة بحوار مفتوح بين الدكتور بوكرين والحضور، تخلّله نقاش معمق حول تداعيات السياسات الأميركية على النظام الاقتصادي والمالي اللبناني، وسبل تعزيز الصمود الوطني في وجه هذه التحوّلات الدولية.
يُذكر أن هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة أنشطة فكرية وبحثية ينظّمها مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية
في الجامعة اللبنانية، وتهدف إلى تعميق الفهم النقدي للتحوّلات العالمية وانعكاساتها على
لبنان والمنطقة.