قالت المحللة البارزة في مركز واشنطن للدراسات اليمنية فاطمة أبو الأسرار إن وقف إطلاق النار المفاجئ بين الولايات المتحدة والحوثيين في السادس من أيار، منح الجماعة اليمنية فوزاً دبلوماسياً نادراً وغير مستحق.
وذكرت أنه "عقب أشهر من مهاجمة السفن التجارية وجرّ واشنطن إلى مواجهة مباشرة، حصد الحوثيون ما يطمحون إليه أكثر من السيطرة على الأرض ألا وهو الاعتراف"، وتابع: "لم يحقق الحوثيين ذلك بمفردهم، بل ساعدتهم حملة متوازية لغسل السردية، شنّتها وسائل إعلام روسية رسمية، وآيديولوجيون مناهضون للغرب، ومؤثرون انتهازيون، لتجميل صورة الجماعة، وتسهيل تحولها من جماعة مصنفة إرهابية إلى طرف يمكن التفاوض معه".
نمط واسع
في آذار الماضي، نشرت قناة "آر تي" الروسية مقالاً للمعلق
سيرغي ستروكان بعنوان "لا تصنع حوثياً لنفسك"، اعتبر فيه أن
الغارات الأميركية في اليمن صنعت "عدواً مصطنعاً"، وصوّر الحوثيين كقوة سياسية تتفاعل مع الواقع الإقليمي، لا كمجموعة مسلحة.
وهذا التوجه يعكس نمطاً متصاعداً لتطبيع الجماعة من قبل أصوات أجنبية تسوّق لروايات مناهضة للإمبريالية، متجاهلة الطابع القمعي للحوثيين ودورهم كذراع للنفوذ
الإيراني.
وترسخت هذه السردية بشكل واضح حين استضاف الحوثيون مؤتمراً رفيع المستوى في صنعاء حول
فلسطين، في خضم الغارات الأميركية اليومية التي بدأت منتصف آذار.
وجمع المؤتمر وفوداً من دول مثل
العراق وآيرلندا، وأضفى طابع "حركة مقاومة" على ميليشيا طائفية، مخاطباً جمهوراً دولياً يتغاضى عن طبيعتها الاستبدادية، وبرزت خلاله مشاركة شخصيات مثل النائب
البريطاني السابق
جورج غالاوي، والمفكر الروسي ألكسندر دوغين، وأليدا غيفارا ابنة تشي غيفارا، بهدف تعزيز شرعية رمزية، وفق ما قالت أبو الأسرار.
ثلاثة أهداف استراتيجية
تكشف استراتيجية الحوثيين الإعلامية عن ثلاثة أهداف رئيسية:
- تبرير الهجمات على الملاحة الدولية.
- بناء شرعية دولية رغم غياب الاعتراف الرسمي.
وخلافاً لتنظيمي "
القاعدة" و"داعش"، يتقن الحوثيون مخاطبة الجمهور
الغربي بصورة معتدلة، ويبرعون في الانتهازية السياسية التي تتيح لهم نسج علاقات مع أطراف متباينة.
واستثمر بعض الدبلوماسيين الغربيين في تحسين صورتهم، بل قدموا لهم الهدايا وكتبوا مقالات رأي تروج لهم.
إلى ذلك، ترى أبو الأسرار أن الحوثيين استفادوا مراراً من استغلال الروايات الدولية، وكان مؤتمر صنعاء محاولة لملء الفراغ الذي خلّفته انسحابات وكالات أممية من مناطقهم نتيجة تصرفات الجماعة.
وتسببت لقاءات سابقة بين الحوثيين ووكالات أممية في منحهم شرعية غير مقصودة، سواء عبر مبادرات دبلوماسية فاشلة، أو صور التُقطت أثناء اعتداءاتهم وسرقتهم للمساعدات الغذائية.
الخيارات أمام واشنطن
وترى الكاتبة أن تركيز الإدارة الأميركية على كبح القدرات البحرية للحوثيين في البحر الأحمر لا يعالج التحدي الاستراتيجي الأشمل، والمتمثل في البيئة التي تتيح لهم توسيع نفوذهم، فترك الأمر دون معالجة يعزز احتمالات تحوّلهم إلى ذراع دائم لإيران في المنطقة.
وتحذر أبو الأسرار من خطر التلقين الآيديولوجي الذي تمارسه الجماعة في المناطق التي تسيطر عليها، بهدف خلق جيل ملتزم آيديولوجياً من خلال توظيف قضايا مثل فلسطين.
وتدعو الكاتب في الختام إلى توسيع جهود واشنطن لمكافحة الدعاية الحوثية، عبر كشف الشبكات التي تروّج لرواياتهم، وتسليط الضوء على التناقض بين خطابهم الإعلامي وسلوكهم القمعي، وفرض عقوبات على الأفراد الذين يسهلون تواصلهم الدولي، وليس فقط على قياداتهم العسكرية.
كذلك، أكدت الكاتبة على أهمية دعم الأصوات اليمنية المستقلة القادرة على تقديم بدائل حقيقية لرواية الحوثيين. (24)