كشفت بيانات حديثة للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن هيمنة خمس دول على أكثر من ثلثي القدرة العالمية لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، في مشهد يعكس تركّز النفوذ
النووي في أيدي قلة، ويبرز التحديات والفرص المرتبطة بتطوير تقنيات آمنة وفعّالة في هذا القطاع الحيوي.
حتى حزيران 2025، بلغ عدد المفاعلات النووية العاملة حول العالم 416 مفاعلاً موزعة على 31 دولة، بطاقة إنتاجية صافية تصل إلى 376 غيغاواط.
الولايات المتحدة: الرائدة عالمياً
تشغل الولايات المتحدة وحدها 94 مفاعلاً، ما يجعلها أكبر منتج للكهرباء النووية في العالم بنسبة 30% من الإجمالي العالمي عام 2023. وفي عام 2024 وفّرت الطاقة النووية نحو 19% من استهلاك الكهرباء الأميركي، فيما حققت المفاعلات معدلاً عالياً للتشغيل بلغ 92% بفضل تحسين كفاءة إدارة التوقفات. ويعد تاريخ أميركا في الطاقة النووية رائداً، إذ بدأ الاستخدام التجاري للكهرباء النووية في أواخر الخمسينيات مع محطة «شيبينغ بورت» بولاية بنسلفانيا، وتم بناء معظم أسطولها الحالي بين 1967 و1990.
فرنسا: الاعتماد الكلي تقريباً على النووي
تدير فرنسا 57 مفاعلاً بقدرة 63 غيغاواط، وتولّد نحو 65% من كهربائها من الطاقة النووية، وهو خيار استراتيجي اعتمدته منذ أزمة
النفط في السبعينيات لضمان استقلالها الطاقوي. يمثل الأسطول النووي الفرنسي ثاني أكبر قدرة على مستوى العالم والأكبر في
أوروبا، مع استمرار تطوير مفاعلاتها لتحسين الكفاءة والأمان.
الصين: النمو الأسرع عالمياً
تمثل الصين قصة النمو الأسرع في مجال الطاقة النووية، إذ شغلت منذ 1991 حوالي 57 مفاعلاً وتبني حالياً 28 مفاعلاً إضافياً بطاقة إجمالية تبلغ 30 غيغاواط، ما سيجعلها تتجاوز قريباً فرنسا. وتجاوز إنتاج الصين من الكهرباء النووية 433 غيغاواط/ساعة في 2023، أي نحو 5% من إجمالي إنتاجها المحلي. وتعتمد بكين على مزيج من نقل التكنولوجيا الأجنبية وتطوير تصميمات محلية مثل مفاعل «كاب 1000» CAP1000 المشتق من التكنولوجيا الأميركية.
روسيا: تحديث الأسطول وتصدير التكنولوجيا
تدير روسيا 36 مفاعلاً بقدرة 27 غيغاواط، مع أربعة مفاعلات قيد الإنشاء. وتعمل من خلال شركتها الحكومية «روس آتوم» على تحديث المفاعلات القديمة إلى أحدث طرازات مفاعل «في في إي آر» VVER، كما تُعدّ أكبر مصدّر عالمي لتقنيات المفاعلات النووية.
كوريا الجنوبية: لاعب دولي بارز
بدأت كوريا الجنوبية برنامجها النووي منذ السبعينيات لأسباب أمن طاقوي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتشغل اليوم 26 مفاعلاً مع مفاعلين آخرين تحت الإنشاء. وتمتلك الشركة الحكومية «كوريا للطاقة المائية والنووية» Korea Hydro & Nuclear Power حضوراً دولياً بارزاً، فقد بنت محطة براكة في
الإمارات وتشارك حالياً في توسعة محطة دوكوفاني في التشيك.
تاريخيًا، بدأ استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء تجارياً في الولايات المتحدة أواخر الخمسينيات، بينما لجأت فرنسا إلى بناء عشرات المفاعلات بعد أزمة النفط لضمان استقلالها الطاقوي. أما الصين وروسيا وكوريا الجنوبية فقد دخلت السباق لاحقاً، لكن بسرعات مختلفة، لتصبح اليوم جزءاً رئيسياً من خريطة الطاقة النووية العالمية.
تشير هذه البيانات إلى أن مستقبل قطاع الطاقة النووية سيكون مرتبطاً بقدرة
الدول على تطوير تقنيات أكثر أماناً وكفاءة، مع تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة والأمن الدولي.