ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أنه"في خضم التركيز على استعراضات القمة وتبادل الأراضي وضمانات الأمن في الأسابيع الماضية، ضاعت قضية أكثر أهمية في التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب في أوكرانيا وهي ما إذا كان
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعدا لقبول عضوية أوكرانيا في
الاتحاد الأوروبي كجزء من اتفاق تسوية. وكان هذا التنازل عنصرا مهما في اتفاق السلام الذي صاغه المفاوضون الروس والأوكرانيون بوساطة تركية في عام 2022، والذي تخلت عنه أوكرانيا لاحقا".
وبحسب الموقع، "منذ ذلك الحين، عارض بعض المسؤولين الروس مثل هذه العضوية، لكن المتحدث باسم الكرملين أشار في وقت سابق من هذا العام إلى أن
روسيا لن تعترض، على النقيض تماما من معارضتها الشديدة لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي. وخلال اجتماعه في البيت الأبيض مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي وزعماء أوروبيين، أجرى الرئيس
دونالد ترامب مكالمتين هاتفيتين، الأولى إلى بوتين، ثم إلى رئيس الوزراء فيكتور أوربان لحث المجر على تخفيف معارضتها لعملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد
الأوروبي. ويثير توقيت ذلك تساؤلا حول ما إذا كانت هناك علاقة بين المكالمتين".
وتابع الموقع، "ولكن لماذا قد يقدم بوتين على مثل هذا التنازل، الذي من شأنه أن يترك أوكرانيا محايدة عسكريا، ولكن راسخة سياسيا واقتصاديا في أوروبا، مثل النمسا وأيرلندا، إذا كانت القوات الروسية تتقدم بشكل متزايد على ساحة المعركة، وسط إصراره على أن أوكرانيا يجب أن تعود إلى مجال النفوذ الروسي الحصري، كما يزعم كثيرون؟ من المحتمل بطبيعة الحال أن روسيا تشك في قدرة أوكرانيا على اجتياز عملية الانضمام المعقدة بنجاح. ولكن المجر ليست وحدها في التعبير عن المخاوف بشأن عضوية أوكرانيا، إذ تشعر بولندا وفرنسا بالقلق إزاء تأثير الإنتاج الزراعي الأوكراني على قطاعاتهما الزراعية، كما يخشى آخرون من أن تصبح أوكرانيا عبئا باهظ الثمن على خزائن الاتحاد الأوروبي".
وأضاف الموقع، "لكن في حين أن الشكوك الروسية قد تكون مبررة، فإنها لا تعني بالضرورة اليقين بأن أعضاء الاتحاد الأوروبي سوف يغلقون الباب في وجه كييف. ولا بد أن بوتين توقع أن
الولايات المتحدة سوف تبدأ على الفور تقريبا في الضغط على شركائها
الأوروبيين لتسريع عملية الانضمام. إن التظاهر بقبول عضوية أوكرانيا سيكون مخاطرة عالية المخاطر والتي قد تأتي بنتائج عكسية على موسكو بسهولة. والعامل الأكثر ترجيحًا هو البراغماتية البسيطة. لقد أثبت الجيش الروسي بالفعل أنه لا يستطيع غزو أوكرانيا بأكملها، وقد فشلت محاولته الأولى للسيطرة على كييف عبر هجوم سريع على مطار أنتونوف في استغلال تحذيرات الاستخبارات الأميركية المسبقة ومقاومة أوكرانيا الشجاعة والعزيمة. ونتيجة لهذا، اضطرت قوة الغزو الروسية التي تعاني من نقص الأفراد والإمدادات إلى التراجع وإعادة تنظيم صفوفها وتركيز جهودها على شرق وجنوب أوكرانيا".
وبحسب الموقع، "حتى لو كانت روسيا قادرة على غزو كل أوكرانيا، فلن يكون لديها سوى القليل من الأمل في حكمها، لأنها ستواجه على الأرجح هجمات نشطة من جانب حرب العصابات الأوكرانية، وستحتاج إلى قوة احتلال أكبر بعدة مرات من حجم الجيش الروسي الحالي. وعلاوة على ذلك، حتى لو تمكنت روسيا بطريقة أو بأخرى من غزو واحتلال وحكم المساحة الشاسعة لأوكرانيا، فسوف يتعين عليها أن تتعامل مع تحالف حلف شمال الأطلسي الذي تضاعف حجمه منذ نهاية الحرب الباردة، والذي تعمل أعضاؤه الأوروبيون على تنشيط صناعاتهم العسكرية الذابلة وتعهدوا ببناء قدراتهم القتالية لأول مرة منذ عقود. من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لنشر صواريخ متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية في ألمانيا لأول مرة منذ أن وقع رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي حظرتها في عام 1987، وهي صواريخ قادرة على الوصول إلى أهداف استراتيجية في دقائق مع احتمال كبير للتغلب على الدفاعات الصاروخية الروسية".
وتابع الموقع، "إن غزو الأراضي الأوكرانية لن يحل هذه المشاكل الأمنية الأوسع نطاقًا بالنسبة لروسيا، بل سيزيد، على الأرجح، من عداء الناتو وعزيمته، مما سيجبر روسيا إما على وضع اقتصادها في حالة حرب مكلفة وشبه دائمة، أو على الاعتماد بشكل متزايد على أسلحة نووية ميدانية أكثر فعالية من حيث التكلفة لمواجهة الناتو. وفي كلتا الحالتين، سوف تجد روسيا نفسها أكثر اعتمادا على الصين في التجارة والتكنولوجيا والدعم الدبلوماسي. ربما يدرك بوتين أن الاستعداد للتعايش مع عضوية أوكرانيا المحتملة في الاتحاد الأوروبي يشكل ثمناً ضرورياً لتجنب مثل هذا السيناريو والتوصل إلى شروط في اتفاق السلام الأوكراني الذي يعتبره ضرورياً للأمن الروسي. والخيار الأهم هو دفع الولايات المتحدة إلى إغلاق الباب أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو استضافة قوات قتالية تابعة للحلف على أراضيها، وهي المطالب التي عبّر عنها المسؤولون الروس لعقود من الزمن، وكانت من بين العوامل الرئيسية التي حفزت الغزو الروسي. أما الخيار الثاني فهو إحياء المفاوضات بشأن الأمن الأوروبي والسيطرة على الأسلحة النووية التي يمكن أن تقلل من التهديدات التي تواجهها روسيا، ولكنها الآن ميتة أو على قيد الحياة".
وأضاف الموقع، "سوف تكون هذه مجرد أثمان صغيرة يتعين على الولايات المتحدة أن تدفعها في مقابل ترسيخ أوكرانيا في أوروبا سياسيا واقتصاديا. وبما أن كل رئيس أميركي منذ جورج دبليو بوش أظهر أنه لن يرسل قوات أميركية إلى محاربة روسيا دفاعا عن أوكرانيا وجورجيا، فإن الالتزام الرسمي بإنهاء توسع حلف شمال الأطلسي شرقا لن يكون بمثابة تنازل لروسيا بقدر ما سيكون بمثابة اعتراف بواقع قائم. إن الدخول في محادثات ضبط الأسلحة مع روسيا، ووضع أوروبا على مسار الاستقرار، وتقليص اعتماد موسكو على الصين من شأنه أن يعزز أمن أميركا، وليس أن يقلله".
وبحسب الموقع، "حتى لو واجهت عملية الانضمام عقبات، فإنها قد تعزز سيادة أوكرانيا وازدهارها وتعافي مجتمعها، وهو أمر بالغ الأهمية لقدراتها الدفاعية المستقبلية. إن التفاؤل بمستقبل أوكرانيا قد يشجع أعدادًا كبيرة من ملايين اللاجئين الذين فروا من الحرب على العودة إلى ديارهم، ويوقف الانهيار الديموغرافي في البلاد. إن متطلبات العضوية من شأنها أن تسمح لأوكرانيا بتطوير الإصلاحات التي تحمي الأقليات الناطقة باللغة الروسية وتقلل من التطرف السياسي دون أن تبدو وكأنها تستسلم لمطالب موسكو. والأمر الأكثر أهمية، نظراً لاستحالة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي تقريباً، هو أن احتمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد يكون الأمل الأفضل لإقناع مواطني أوكرانيا بأن التوصل إلى تسوية سلمية يستحق الدماء التي ضحوا بها على مدى السنوات الثلاث الماضية".
وختم الموقع، "إن استبدال الحياد العسكري لأوكرانيا باحتمالية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي لن يكفي وحده لإنهاء هذه الحرب المأساوية، ولكنه حل وسط ينبغي على
ترامب وأوروبا وأوكرانيا قبوله".