ذكرت صحيفة "The Guardian" البريطانية" أن استهداف
إسرائيل لمفاوضي حماس في الدوحة هذا الأسبوع تجاوز خطًا أحمر لا يمكن حتى لأقرب شركائها العرب تجاهله. وفي الواقع، لطالما بررت إسرائيل ضرباتها الاستباقية والخارجية بأنها ضرورية لأمنها. وعلى مدى العامين الماضيين، ورداً على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول، ضربت إسرائيل ستة بلدان في المنطقة، بما في ذلك فلسطين، سعياً إلى استئصال كل التهديدات لأمنها. ولكن ضرب العاصمة قطر، وهي دولة خليجية ثرية، وشريك أمني وحليف غير عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) للولايات المتحدة، وموقع المفاوضات المضنية بين إسرائيل وحماس بناء على طلب واشنطن، ليس مجرد عملية قتل مستهدفة أخرى، بل يُمثل تحولاً جذرياً، إذ لم تعد الدول العربية ترى في إيران مصدر زعزعة الاستقرار
الرئيسي الوحيد في المنطقة. واليوم، باتت ترى
في إسرائيل مصدر زعزعة أيضاً".
وبحسب الصحيفة، "هذه ليست المرة الأولى التي تشن فيها إسرائيل غارات جوية أثناء المفاوضات والجهود الدبلوماسية. فعلى مدار هذين العامين، نُفذت اغتيالات وضربات رفيعة المستوى في
لبنان ضد
حزب الله، وفي
سوريا، مما زاد من حدة التوترات مع حكومة أحمد الشرع الحديثة التكوين، وفي اليمن، مستهدفةً الحوثيين، وضد إيران خلال حرب حزيران التي استمرت 12 يومًا عندما كانت طهران تتفاوض مع واشنطن. وكثيرا ما كانت هذه الضربات تهدف إلى إفشال المحادثات أو إظهار رفض إسرائيل الفصل بين الدبلوماسية والإكراه، وضربة الدوحة تُجسِّد هذا النمط، لكن رمزيتها ستُخلِّف آثارًا طويلة المدى".
وتابعت الصحيفة، "سقطت الصواريخ في حي هادئ في الدوحة
على الطريق المؤدي إلى قصر زاره الرئيس الأميركي
دونالد ترامب مؤخرا خلال جولته في المنطقة في أيار، والتي شملت أيضا زيارة إلى قاعدة جوية أميركية في قطر. وبالنسبة لحكام الخليج فإن هذه الرسالة تتحدى افتراضهم القديم بأن العلاقات والقواعد العسكرية الأميركية سوف تحميهم من الهجمات. ولطالما كانت إسرائيل تُكنّ استياءً تجاه قطر. ففي إطار صفقةٍ وافقت عليها
الولايات المتحدة وإسرائيل، أرسلت الدوحة أموالًا إلى غزة لسنواتٍ سعيًا لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وبعد 7 تشرين الأول، أعاد المسؤولون الإسرائيليون صياغة هذا الترتيب على أنه يُمكّن حماس من شنّ الهجمات على إسرائيل. وعندما تم الكشف عن فضيحة مبنية على مزاعم بأن المقربين من رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخذوا أموالا قطرية للضغط لصالحها، أصبح إحباط إسرائيل من الدوحة أكثر وضوحا".
وأضافت الصحيفة، "مع ذلك، لا تتفق واشنطن مع هذا الرأي. تستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، التي تُعدّ حجر الزاوية في استعراض القوة الأميركية. ومن قطر، أدارت القوات الأميركية عملياتها في أفغانستان والعراق وسوريا. في عام 2022، صنّف الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن قطر "حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو". تعرضت الدوحة أيضًا لنيران إيرانية خلال الحرب
الإسرائيلية الإيرانية في حزيران، عندما أطلقت طهران صواريخ على القاعدة الأميركية ردًا على الضربات النووية. وهذه الضربة الثانية في أقل من بضعة أشهر تثير تساؤلات حول الحماية الأميركية. على مدى عقود من الزمن، كانت دول الخليج تحدد الأمن الإقليمي من خلال عدسة إيران، خوفًا من برنامجها النووي، ورعايتها لجماعات ميليشيات "محور المقاومة"، وقدرتها على الضرب عبر الحدود، كما حدث في هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ على منشآت أرامكو
السعودية في عام 2019. ولكن اليوم، أدت الحملات الإسرائيلية غير المنضبطة في غزة، والعمليات المتصاعدة في الضفة الغربية، والتصعيد المستمر في لبنان وسوريا وقطر، إلى إعادة صياغة المحادثة".
وبحسب الصحيفة، "تستنتج الدول العربية أن إسرائيل تُشكّل الآن أكبر تهديد لاستقرار المنطقة. هذا لا يُبرر سلوك طهران، فدورها في تأجيج الصراعات في العراق ولبنان وسوريا واليمن لا يمكن إنكاره. لكن اعتداءات إيران أصبحت مألوفة ومتوقعة للغاية، وربما يكون تقدير نفوذها في المنطقة مبالغًا فيه. وعلى النقيض من ذلك، أصبحت تصرفات إسرائيل أكثر جرأة على حساب المعايير التي افترض القادة العرب أنها لا تزال تحكم منطقتهم. وفي الحقيقة، عزز التقاعس الأميركي هذا التصور، فقد رفضت كلٌّ من إدارتي بايدن وترامب كبح جماح الهجمات العسكرية الإسرائيلية. إن الضربة ضد قطر سوف تجبر حكام الخليج على التعامل مع حقيقة مفادها أن واشنطن تبدو غير راغبة، أو غير قادرة، على كبح جماح أقرب حلفائها".
وتابعت الصحيفة، "لطالما خشيت دول الخليج من تحول التركيز الاستراتيجي الأميركي نحو آسيا، وتتذكر هذه الدول بوضوح كيف فشلت الدفاعات الأميركية في صد الهجوم الإيراني على السعودية عام 2019، وترى اليوم عدم استعدادها لكبح جماح إسرائيل. والنتيجة هي شعورٌ بتآكل الضمانات الأمنية. كان من المفترض أن تهدف اتفاقيات إبراهيم وجهود التطبيع المقترحة إلى إدارة الأمن الإقليمي، لكن مثل هذه الخطط اليوم، في حين يستمر الوضع في غزة دون هوادة، لم تعد قابلة للتطبيق. وفي رد فعل على ذلك، من المرجح أن يعمل زعماء الخليج على تعميق التعاون في ما بينهم في حين يسرعون الجهود الرامية إلى تنويع شراكاتهم الخارجية والأمنية، والحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الصين، وتوسيع التعاون الدفاعي مع تركيا، وإعادة تقييم احتمالات التطبيع غير المؤكدة مع إسرائيل. وبالنسبة للدول التي سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة في ضوء الرأي العام المحلي والحساسيات الإقليمية، فإن الهجوم جعل هذه المهمة الحساسة بالفعل أكثر صعوبة".
وختمت الصحيفة، "في الوقت عينه، يواصل حكام الخليج المضي قدماً في السعي إلى تحقيق قدر أعظم من الاستقلال الاستراتيجي ، وهم عازمون بشكل متزايد على التحوط ضد مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة. ولكن في نهاية المطاف، قد يثبت الهجوم على الدوحة أنه بمثابة لحظة فاصلة، من خلال بلورة الشعور بأن النظام الإقليمي التقليدي يتفكك وأن سيادة الشركاء كثيراً ما تم التضحية بها باسم الأمن، الأمر الذي يترك السؤال الوحيد حول كيفية رد دول الخليج على هذا الهجوم، وليس ما إذا كانت سترد أم لا".