تبدو المنطقة على شفا انفجار مواجهة كبرى بين
إيران وإسرائيل، حيث تتزايد المؤشرات على أن ما يُوصف بـ"الحرب المؤجلة" يقترب من لحظة الحسم.
ففي الوقت الذي تكشف فيه تقارير إسرائيلية عن استعدادات ميدانية غير مسبوقة لجولة أكثر شراسة من المواجهة، تؤكد طهران أنها وصلت إلى قناعة راسخة بأن طريق التفاوض مع واشنطن مسدود بالكامل، وأنها لن تخضع لأي ضغوط، حتى في ظل تفعيل آلية "سناب باك".
تحضيرات عسكرية إيرانية مكثفة
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة
الإيرانية، اللواء عبد الرحيم موسوي، أعلن أن القوات في حالة تأهب قصوى لاحتمال اندلاع حرب. وأوضح خلال اجتماعه مع قائد الحرس الثوري محمد باكبور أن عمليات تعزيز وتطوير منظومات الدفاع الإيرانية تسير بوتيرة متسارعة.
وفي السياق ذاته، رفض نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان
الإيراني أي حديث عن مفاوضات تتعلق بالقدرات الصاروخية لبلاده، معتبراً أن واشنطن تحاول سلب إيران أدواتها الدفاعية، عبر محاولة فرض مدى أقصى للصواريخ لا يتجاوز 300 كيلومتر، بما يضمن عدم وصولها إلى
إسرائيل.
صحيفة "إسرائيل هيوم" بدورها، رسمت ملامح مواجهة وصفتها بأنها الأخطر في العقود الأخيرة، محذّرة من أن إيران تواصل تعزيز قدراتها الدفاعية والصاروخية، فيما يزيد الجمود النووي وعودة العقوبات من احتمالات التصعيد. أما إسرائيل، فهي تخشى من تراجع الدعم الأميركي، الأمر الذي قد يحوّل أي حرب إلى صراع استنزاف طويل ومكلف.
أبعاد دولية وتصاعد رسائل القوة
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كشف عن تبادل رسائل مع واشنطن، لكنه شدد على أن الحوار وصل إلى طريق مسدود. وأكد أن تفعيل الأوروبيين لآلية "سناب باك" تم بطرق غير قانونية، مشيراً إلى أن صلاحيتها تنتهي بحلول 18 أكتوبر مع انتهاء العمل بقرار مجلس الأمن 2231. وأضاف أن إيران ستدخل حينها في جدل قانوني مدعومة بمواقف
روسيا والصين.
وفي موازاة ذلك، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من خطورة توجيه ضربات جديدة لإيران، معتبراً أن التهديدات العسكرية ضدها تأتي ضمن خطة منسقة مع إجراءات اقتصادية تهدف إلى "خنق" طهران.
نتنياهو يهرب إلى الأمام وتحضيرات غير مسبوقة
رئيس تحرير صحيفة "إيران ديبلوماتيك" عماد أبشناس أكد في حديث لبرنامج "التاسعة" على قناة
سكاي نيوز عربية أن التحضيرات الإيرانية في الفترة الأخيرة غير مسبوقة، محذراً من أن الحرب قد تندلع في أي لحظة.
وأوضح أبشناس أن رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد أي صفقة محتملة في غزة، سيواجه أزمة داخلية قد تدفعه إلى "الهروب إلى الأمام" عبر فتح جبهة مع إيران أو حتى مع العراق. واعتبر أن "نتنياهو اليوم يتصرف كالمجنون"، في إشارة إلى السياسات التصعيدية التي تنتهجها تل أبيب ضد خصومها الإقليميين.
كما كشف أبشناس عن دخول كميات ضخمة من الأسلحة الدفاعية إلى إيران خلال الشهرين الماضيين، مشيراً إلى أن
الأميركيين أيضاً يستعدون لمواجهة، حيث انتقلت طائرات تزود بالوقود أميركية إلى قاعدة العديد في قطر برفقة مقاتلات.
المسار الدبلوماسي يتآكل
بحسب أبشناس، فإن واشنطن لم تكن جادة في المفاوضات، مشيراً إلى أنه كان من الممكن إعلان اتفاق مع طهران في الجولة السادسة، لكن في الوقت ذاته كانت
الولايات المتحدة ترسل الأسلحة إلى إسرائيل. وأكد أن 1500 طن من الأسلحة نُقلت إلى تل أبيب خلال فترة التفاوض، وهو ما اعتبره دليلاً على أن واشنطن لم تكن تريد تسوية سياسية وإنما تستعد لمواجهة عسكرية.
وأضاف أن الظروف هذه المرة مختلفة، إذ لم تعد إيران تراهن على المفاوضات، بل تستعد لعمليات استباقية إذا شعرت بأن واشنطن أو تل أبيب تخططان لمهاجمتها. وأوضح أن المسألة بالنسبة لطهران لم تعد حرب حدود، بل "حرب وجود"، وهو ما أدى إلى توحيد الشعب الإيراني، حتى المعارضة، خلف الحكومة.
أبشناس كشف أيضاً أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية قدمت دعماً عسكرياً نوعياً وغير مسبوق لإيران في الفترة الأخيرة، بعضها من دون مقابل مادي كامل، في إطار استراتيجية دولية تهدف إلى تحويل أي مواجهة إلى "مستنقع" أميركي يصعب الخروج منه.
وتوقع أن دخول واشنطن في مواجهة مباشرة مع إيران سيقلب موازين القوى عالمياً، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، حيث ستكون الصين أبرز المستفيدين من أي إضعاف للاقتصاد الأميركي.
وأشار أبشناس إلى أن "إسرائيل لم تعد الرقم الأساسي في المعادلة"، بل الولايات المتحدة نفسها هي الطرف
الرئيسي في أي مواجهة محتملة. ورأى أن القوى الدولية الداعمة لطهران ستستخدم كل إمكاناتها لضمان وقوع واشنطن في المستنقع الإيراني إذا ما اندلعت مواجهة مباشرة.
وبرأيه، فإن مواجهة بين إسرائيل وحدها وإيران ستختلف جذرياً عن مواجهة أميركية – إيرانية، إذ أن تل أبيب غير قادرة على خوض حرب طويلة ومكلفة مع طهران، بينما الحرب مع الولايات المتحدة قد تعيد رسم المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي لعقود مقبلة.
بين الحرب والمناورة السياسية
التقارير
الإسرائيلية والتحليلات الإيرانية والروسية تتقاطع عند نقطة واحدة: التصعيد الحالي غير مسبوق، واحتمال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة أكبر من أي وقت مضى. ومع ذلك، لا تزال هناك مساحة ضيقة للمناورة السياسية، في ظل تحذيرات دولية من مغبة أي هجوم على إيران، وتخوف أميركي من الغرق في مستنقع استنزاف جديد.
لكن مجمل التطورات الميدانية والسياسية، من تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية، وتحركات الطائرات الأميركية في قطر، إلى تبادل الرسائل المتوترة بين طهران وواشنطن، كلها تشي بأن المنطقة تقف على حافة مواجهة قد تعيد تشكيل
الشرق الأوسط لسنوات طويلة.