دخلت الأوروغواي التاريخ، أمس الأربعاء، بعد أن صادق مجلس الشيوخ على قانون مثير للجدل يجيز القتل الرحيم في حالات محدّدة، ليصبح هذا البلد أول دولة في أميركا الجنوبية تعتمد رسميًا ما يُعرف بـ"الموت بكرامة"، بعد نقاشات استمرت لسنوات طويلة داخل
البرلمان وبين الأوساط الطبية والدينية.
وحظي القانون بتأييد 20 عضوًا من أصل 31 حضروا الجلسة، ما عكس توافقًا واسعًا داخل الغالبية اليسارية الحاكمة. وكان مجلس النواب قد أقرّ النص في أغسطس الماضي، قبل أن يحظى بموافقة نهائية في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه "ائتلاف
الجبهة الموسّعة".
وفور إعلان النتيجة، علت الهتافات والتصفيق داخل قاعة البرلمان، حيث تبادل النواب الداعمون للعانون العناق، فيما دوّى في القاعة صوتُ عشرات المعارضين الذين تابعوا الجلسة من الشرفة مردّدين "قتلة!".
ينصّ القانون الذي أُطلق عليه رسميًا اسم "قانون الموت بكرامة" على السماح بإنهاء الحياة بمساعدة طبية في ظروف محدّدة، بعد طلب صريح من المريض. ويُشترط في مقدم الطلب أن يكون بالغًا، متمتعًا بالأهلية النفسية، ومواطنًا أو مقيمًا دائمًا في الأوروغواي.
كما يجب أن يكون المصاب في المرحلة النهائية من مرض عضال لا شفاء منه، أو يعاني من آلام ومعاناة مستعصية لا تُحتمل، مع تدهور حاد في جودة الحياة. ويُلزم القانون الأطباء بتأكيد الحالة عبر تقارير طبية دقيقة، قبل الشروع بالإجراءات.
ووفقًا للنص، يحقّ للطبيب الامتناع عن المشاركة في العملية لأسباب ضميرية، شرط تحويل الحالة إلى زميل آخر يوافق على تنفيذها. كما تُلزم المستشفيات بتوفير دعم نفسي لذوي المريض، ومراقبة الإجراءات كافة ضمن إطار قانوني وإنساني صارم.
وبإقرارها هذا القانون، تنضمّ الأوروغواي إلى مجموعة صغيرة من الدول التي تسمح بـ"الموت بمساعدة طبية"، على غرار هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، كندا، وإسبانيا.
وفي أميركا اللاتينية، كانت كولومبيا السباقة في هذا المجال عام 1997 عندما ألغت تجريم القتل الرحيم، قبل أن تلحق بها الإكوادور العام الماضي.
أما على المستوى العالمي، فعدد الدول التي تبيح القتل الرحيم أو المساعدة على الانتحار يبقى محدودًا، وتشمل:
- أوروبا: هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، سويسرا (المساعدة على الانتحار فقط)، وإسبانيا.
- أستراليا: بعض الولايات مثل نيو ساوث ويلز، فيكتوريا، تسمانيا، وجنوب أستراليا.
- أميركا الشمالية: بعض المقاطعات الكندية وعدة ولايات أميركية كأوريغون وواشنطن.
- أوقيانوسيا: نيوزيلندا.
- أميركا الجنوبية: كولومبيا، الإكوادور، والأوروغواي الآن.
وقد لاقى القانون ترحيبًا واسعًا من الجمعيات المؤيدة لحق المريض في اتخاذ القرار بشأن نهاية حياته، التي اعتبرت الخطوة "انتصارًا للكرامة الإنسانية وحرية الإرادة".
في المقابل، عبّر رجال دين وممثلو جمعيات
مسيحية عن رفضهم القاطع لما وصفوه بـ"إضفاء الشرعية على القتل"، معتبرين أن الحياة طهبة إلهية لا يملك أحد حق إنهائها".
ورغم الانقسام الشعبي، يرى مراقبون أن إقرار القانون يعكس تحوّلًا ثقافيًا عميقًا في مجتمع أوروغواي المعروف بانفتاحه الاجتماعي، إذ كانت أول دولة في المنطقة تشرّع الإجهاض والزواج المتساوي واستهلاك القنب.