ذكرت صحيفة "The Telegraph"
البريطانية أن "إحدى التكتيكات الأقل إقناعاً التي ينتهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الصراع
الطويل في أوكرانيا هي تهديد الغرب بسيناريوهات يوم القيامة كلما وجد نفسه في مأزق. وفي وقت مبكر من الصراع، عندما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تناقش ما إذا كانت ستزود كييف بالدبابات وغيرها من الدروع الثقيلة، أثار بوتين احتمال تصاعد الصراع إلى حرب نووية شاملة. وتم إطلاق تهديدات مماثلة عندما جرت مناقشات مماثلة بشأن تزويد كييف بالطائرات الحربية الغربية، مثل مقاتلات F-16، والتي ساهمت لاحقا بشكل كبير في قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها من الهجمات البرية الروسية وهجمات الطائرات من دون طيار. بل إن بوتين ذهب إلى حد السماح للقوات النووية الاستراتيجية الروسية بإجراء عدد من التدريبات المصممة خصيصًا لترهيب القادة الغربيين. ومن خلال استمراره في تقديم الدعم العسكري، يُخاطر الغرب بإجبار الكرملين على اللجوء إلى ترسانته النووية".
وبحسب الصحيفة، "لذلك، فإن التهديد الأخير الذي وجهه بوتين، بأن
روسيا مستعدة للحرب مع أوروبا إذا فشل الزعماء الأوروبيون في قبول المطالب الإقليمية المتطرفة لموسكو لإنهاء الصراع في أوكرانيا، يحتاج إلى أن يُنظر إليه في سياق التهديدات التي يطلقها الرئيس الروسي والتي لا معنى لها، وليس باعتباره تهديداً وجودياً. وجاء تحذير بوتين بعد أن تدخل الزعماء الأوروبيون، إلى جانب أوكرانيا، لتخفيف حدة عرض السلام الأولي الذي قدمته إدارة الرئيس الأميركي
دونالد ترامب لموسكو، والذي أُدين على نطاق واسع باعتباره استسلاماً ذريعاً لمطالب روسيا. ولكن بدلاً من التخويف من التهديدات الأخيرة التي أطلقها بوتين، يتعين على زعماء حلف شمال الأطلسي أن يفهموا أنه في حالة المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا، فإنهم بلا شك يملكون اليد العليا".
وتابعت الصحيفة، "كما أشار
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في تشرين الأول، بعد أن انتهكت الطائرات الحربية الروسية عمدا المجال الجوي لعدة دول أعضاء، فإن موسكو بحاجة إلى توخي الحذر لأن القوة النارية الإجمالية للحلف كانت "أقوى بكثير" من تلك المتاحة للروس. وهذا لا يعني أن هجمات بوتين لم تُصب هدفها دائمًا، فأحد أسباب استمرار الحرب في أوكرانيا قرابة أربع سنوات هو خوف بايدن من أي فعل قد يستفز الطاغية الروسي ويدفعه إلى تصعيد الصراع. تردد بايدن مرارًا وتكرارًا في تزويد كييف بالأسلحة المتطورة التي تحتاجها أوكرانيا لمواصلة عملياتها العسكرية، وكانت النتيجة أن
الولايات المتحدة وحلفاءها منحوا الأوكرانيين وسائل الدفاع عن أنفسهم من العدوان الروسي، لكنهم لم يمنحوهم القدرة على كسب الحرب".
وأضافت الصحيفة، "من الأهمية بمكان، في الجولة الحالية من المفاوضات الرامية إلى إنهاء الصراع، ألا تقع إدارة ترامب وحلفاؤها في أوروبا في نفس الفخ الذي وقع فيه بايدن، وأن تأخذ تهديدات بوتين الغريبة على محمل الجد. لقد كانت هناك بالفعل علامات مشجعة على أن الرئيس الأميركي، بعيداً عن الخوف من بوتين، على استعداد تام للعب معه في لعبته الخاصة. فترامب ليس غريبا على الانغماس في شكله الخاص من أشكال المخاطرة، حيث قام بترتيب قاذفة نووية من طراز B-2، التي تتمتع بالقوة النارية الكافية لتدمير مساحات كبيرة من روسيا، لتقود
العرض الجوي للقوات الجوية الأميركية الذي أقيم بمناسبة وصول بوتين إلى ألاسكا في آب. ومنذ ذلك الحين، رفع ترامب بشكل كبير المخاطر في مواجهته مع بوتين من خلال إصدار أوامر إلى البنتاغون باستئناف تجارب الأسلحة النووية الأميركية".
وبحسب الصحيفة، "سوف يكون ترامب مدركاً جيداً أيضاً لضعف موقف بوتين في الداخل، وهو ما يفسر بلا شك مزاعم الزعيم الروسي الأخيرة بأن روسيا تحقق الفوز في ساحة المعركة، وأن الاقتصاد الروسي لا يزال قوياً. في الحقيقة، ربما حقق الجيش الروسي بعض المكاسب الطفيفة في شرق أوكرانيا، إلا أن هذه المكاسب تحققت بتكلفة باهظة من حيث الخسائر في صفوفه، وقد تجلى ضعف الجيش الروسي المتأصل في الصور الأخيرة لجنوده في الخطوط الأمامية وهم يُجبرون على القتال دون وسائل حماية أساسية كالخوذات والدروع الواقية. لقد كان للجولة الأخيرة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب، والتي أدرج فيها اثنين من أكبر منتجي النفط في روسيا، روسنفت ولوك أويل، تأثير كبير بالفعل على اقتصاد البلاد الذي مزقته الحرب، حيث تشير التقديرات الأخيرة إلى أن هذه الإجراءات أدت بالفعل إلى خسارة روسيا ثلث عائداتها الشهرية من التصدير".
وتابعت الصحيفة، "هناك مجموعة أخرى من التدابير العقابية التي قد تفرضها إدارة ترامب، في حال رفض بوتين الموافقة على وقف إطلاق النار، والتي قد يكون لها تأثير أعمق على قدرة روسيا على الحفاظ على هجومها العسكري في أوكرانيا. ومن أبرز هذه الخيارات تشديد تطبيق العقوبات المفروضة على دول، مثل الصين والهند، التي لا تزال تشتري النفط الروسي. ومن الخيارات الأخرى استهداف أسطول ناقلات النفط الروسي غير المشروع الذي يُستخدم لنقل شحنات النفط الروسي غير المشروعة حول العالم. ولا يزال ترامب يحتفظ بخيار الموافقة على نقل صواريخ توماهوك البعيدة المدى إلى كييف، وهو ما من شأنه أن يعطي الجيش الأوكراني القدرة على ضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية، وهي القدرة التي قد تقلب موازين الصراع لصالح كييف بشكل حاسم".
وختمت الصحيفة، "إذا كان ترامب جادًا حقًا بشأن إنهاء هذا الصراع الرهيب، فعليه أن يفهم أن بوتين لن يوافق على اتفاق السلام إلا عندما يدرك أخيرًا أنه ليس لديه خيار آخر قابل للتطبيق سوى إنهاء "عمليته العسكرية الخاصة" لغزو أوكرانيا".