تتسارع في الآونة الأخيرة المؤشرات على تطور التنسيق العسكري بين تركيا والحكومة السورية، في خطوة وُصفت بأنها قد تشكّل تحوّلاً استراتيجياً في المشهد السوري بعد سنوات من القطيعة.
فبحسب مصادر سياسية وأمنية متطابقة، تستعد أنقرة لتزويد دمشق بمعدات عسكرية متطورة تشمل سيارات مصفّحة، وطائرات مسيّرة، ومدفعية، وصواريخ، وأنظمة دفاع جوي حديثة، على أن تُنشر هذه المعدات في شمال البلاد لتجنّب أي توتر محتمل مع إسرائيل في الجنوب الغربي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعبّر عن نقلة نوعية في السياسة التركية تجاه
سوريا، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة بناء المؤسسات العسكرية السورية، بالتزامن مع دعم أميركي متزايد لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
تفاهم أمني وتدريبات مشتركة
مصادر عسكرية سورية أكدت لـ"الجزيرة نت" صحة الأنباء حول توريد العتاد العسكري
التركي، مشيرة إلى أن المسألة باتت "مسألة وقت لا أكثر"، وأن الدفعات الأولى ستصل قريباً. كما كشفت المصادر عن تدريبات عسكرية خاصة تخضع لها قوات سورية في تركيا، في إطار اتفاق أمني تم توقيعه بين البلدين في آب الماضي، ما يعكس تقارباً غير مسبوق بين دمشق وأنقرة بعد أعوام من القطيعة السياسية والعسكرية.
الشمال السوري محور التفاهم
وفي ظل الانفتاح المتبادل ورفع بعض القيود والعقوبات، أصبح ملف الشمال السوري محوراً أساسياً في العلاقات الثنائية الجديدة. ويُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تحركات عسكرية نوعية تهدف إلى إعادة رسم موازين القوى في تلك المنطقة الحساسة.
الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر أوضح أن تركيا تعتبر استقرار سوريا جزءاً من أمنها القومي، مؤكداً أن أنقرة ودمشق منحتا مهلة لقوات "قسد" حتى نهاية العام للانخراط في مؤسسات الدولة السورية، إلا أن المفاوضات "تتعثر بسبب الشروط الصعبة التي تطرحها قسد، خصوصاً في الجوانب العسكرية"، مما يجعل احتمال الصدام المسلح أمراً وشيكاً.
رسائل سياسية وعسكرية متعددة
ورغم تأكيد أن التسليح التركي لا يستهدف إسرائيل مباشرة، فإن محللين يرون في هذه الخطوة رسائل غير مباشرة إلى تل أبيب، خصوصاً بعد سلسلة من العمليات العسكرية
الإسرائيلية في القنيطرة جنوب سوريا.
الباحث في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني أشار إلى أن نشر السلاح التركي في شمال سوريا يهدف إلى تعزيز الجاهزية العسكرية ضد "قسد"، وفي الوقت نفسه إضعاف النفوذ
الإسرائيلي في الداخل السوري.
وأوضح حوراني أن أنقرة، عبر تفكيك بنية "قسد"، تسعى إلى تحجيم التدخلات الإسرائيلية التي تستخدم المليشيات الكردية والسويداء كورقة ضغط على دمشق، مضيفاً أن إضعاف قسد يعني تقوية مؤسسات الدولة السورية وإعادة توازن القوى على الأرض.
مرحلة جديدة من التحالف
ويرى المراقبون أن هذا التقارب العسكري بين أنقرة ودمشق، الذي كان مستحيلاً قبل سنوات قليلة، يشير إلى مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، تقوم على تبادل المصالح الأمنية ومواجهة التحديات المشتركة، خصوصاً في ظل التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة.
ويُتوقع أن تحمل الأسابيع المقبلة خطوات عملية في مسار التنسيق العسكري الميداني، ما يجعل من الملف السوري أحد أهم مفاتيح التوازن في
الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة.