ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أنه "على طول خط المواجهة الشرقي لأوكرانيا، فإن السؤال ليس ما إذا كانت
روسيا سوف تحصل على السيطرة الكاملة على بوكروفسك، بل متى سوف تتمكن من ذلك. في الحقيقة، سيكون انهيار المدينة خسارة استراتيجية لأوكرانيا ونصرًا تكتيكيًا لروسيا، لكنه لن يُقرّب نهاية الحرب، ذلك لأن أيًا من الأطراف الرئيسية ليس مستعدًا لوقف القتال. والأسوأ من ذلك هو أن الأشهر المقبلة قد تكون الأكثر خطورة في هذه الحرب، مع تسلل اليأس إلى صفوف كييف العليا وتصاعد التهديدات بالحرب النووية من جانب
الولايات المتحدة وروسيا".
وبحسب الموقع، "بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي
دونالد ترامب، يُعدّ هذا خبرًا سيئًا، فقد انقضت الفرصة الضئيلة التي كانت أمام الإدارة الأميركية للانسحاب من أوكرانيا دون أي شروط، وتوقفت الآن الدبلوماسية الثنائية مع روسيا. ورغم إصرار ترامب على أن هذه لا تزال "حرب بايدن"، فبعد مرور عام تقريبًا على ولايته، سيتحمل عواقب نهاية الصراع في نهاية المطاف، سواء أكانت جيدة أم سيئة. مع ذلك، ستحتاج واشنطن إلى استراتيجية جديدة إذا كانت تأمل في إنقاذ جهودها لتحقيق السلام، ويجب أن تنطلق هذه الاستراتيجية الجديدة من إدراك أن ما من ضغط من شأنه أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وقف الحرب قبل أن يحقق الحد الأدنى من أهدافه. ولكن بدلاً من ذلك، فإن أفضل فرصة لترامب للتوصل إلى اتفاق ستكون من خلال استغلال أقوى أوراقه: حقيقة أن بوتين يحتاج إلى مشاركة الولايات المتحدة لتحقيق أهدافه السياسية ويهتم بتفاصيل التسوية أكثر بكثير من الرئيس الأميركي".
وتابع الموقع، "من نواحٍ عديدة، أصبحت معركة بوكروفسك نموذجاً مصغراً للحرب نفسها وبات من الصعب حل الصراع المستمر منذ ما يقرب من أربع سنوات. ورغم الخسائر الناجمة عن القتال، لا يبدو أن أياً من الجانبين مستعد لإلقاء أسلحته، ولكن أسبابهما متباينة تماماً. إن عدم رغبة موسكو في التراجع هو علامة على العزم وتذكير بأن روسيا لا تتأثر إلى حد كبير بالتكاليف التي يفرضها الغرب وتكاليف ساحة المعركة. وعلى الرغم من اعتقاده بأنه يتمتع بالتفوق العسكري، فقد استجاب بوتين لدعوات ترامب للسلام بالتصعيد، وواصل الضغط على أوكرانيا حيث تبدو دفاعاتها على وشك الانهيار. إن الخسائر الناجمة عن هذه الاستراتيجية مرتفعة ولكنها مستدامة ومقبولة نظراً لخطورة نتائج الحرب بالنسبة لبوتين ونظامه. من ناحية أخرى، يُعدّ تعنّت كييف دليل ضعف لا قوة، ويُدرك قادة أوكرانيا حاجة البلاد إلى وقف إطلاق النار، لكنهم يخشون ما قد يأتي بعد قبوله".
وأضاف الموقع، "في نظر كثير من الأوكرانيين، أي اتفاق سلام يُبرم مع روسيا الآن سيكون مؤقتًا. فهم يعتقدون، صوابًا كان أم خطأً، أن بوتين لن يرضى حتى تسيطر روسيا على كامل أوكرانيا. لذا، فالخيار اليوم ليس بين السلام ومزيد من الحرب، بل بين قتال روسيا الآن ومحاربتها لاحقًا. وفي مواجهة هذه المعضلة، اختارت كييف الهزيمة البطيئة في ساحة المعركة بدلًا من الاستسلام السريع. هذه استراتيجية مفهومة، لكنها خطيرة، إذ تضع بقاء البلاد على حافة الخطر".
وبحسب الموقع، "ليست موسكو وكييف الوحيدتين المستعدتين لترك الحرب تطول. ففي كل أنحاء أوروبا، لا توجد رغبة تُذكر في إنهاء سريع للصراع في أوكرانيا، رغم الدعوات المُصطنعة لوقف إطلاق نار غير مشروط. ربما تكون المناشدات الأوروبية لإبقاء أوكرانيا في القتال مخفية وراء لغة العدالة والإنصاف، ولكنها مدفوعة بالبراغماتية بقدر ما هي مدفوعة بالقيم. أولاً، تُتيح حربٌ طويلة الأمد لأوروبا وقتًا لبناء جيشها. فما دامت روسيا تقاتل في أوكرانيا، فإن قدرتها على تهديد أراضي حلف الناتو محدودة، لكن بعد انتهاء الحرب، يعتقد الكثيرون في أوروبا أن روسيا ستعيد بناء جيشها وتُحوّل اهتمامها نحو الغرب. ثانيا، يدرك زعماء أوروبا أنه بمجرد توقف الأسلحة في أوكرانيا، فسوف يضطرون إلى إيجاد طريقة للوفاء بوعودهم التي قطعوها بعد الحرب بتمويل إعادة إعمار أوكرانيا وتأسيس علاقاتها مع أوروبا".
وتابع الموقع، "في واشنطن، يريد ترامب بصدق "وقف القتل"، لكن إدارته لا تشعر برغبة ملحة في العمل الجاد لتحقيق هذه الغاية. فبعد أن حمّلت أوروبا معظم تكاليف ومسؤولية تسليح أوكرانيا، لجأت إدارة ترامب إلى خنق الحرب باعتبارها شأنًا سياسيًا وماليًا، ويبدو أنها راضية إلى حد كبير بالانتظار. وقال ترامب مؤخرا "في بعض الأحيان يتعين عليك أن تدعهم يقاتلون". إن استراتيجية "الانتظار والترقب" هذه لها سلبياتها، وهناك سيناريوهان كارثيان محتملان: انهيار أوكرانيا، أو تصعيد يجرّ الولايات المتحدة إلى مزيد من الحرب. من الصعب التنبؤ بمدى قدرة القوات العسكرية الأوكرانية على الصمود، قد يستغرق الأمر أشهرًا أو عامًا، أو ربما أسابيع. وإذا انهارت دفاعات أوكرانيا، فسيتعين على واشنطن الاختيار بين ثلاثة خيارات سيئة: زيادة الدعم، وبالتالي زيادة التكاليف على الولايات المتحدة، أو الانسحاب وترك كييف تسقط، أو إجبار أوكرانيا على قبول صفقة غير مواتية".
وأضاف الموقع، "لا يُمكن استبعاد احتمال التصعيد المفاجئ، فنظرية كييف الحقيقية الوحيدة للنصر في هذه المرحلة هي توسيع نطاق الصراع، بجرّ أجزاء من أوروبا على الأقل، ويفضل حلف الناتو بأكمله، إلى القتال. ومع تزايد يأس كييف ووقاحة موسكو، فإن مخاطر هذا التشابك قد ترتفع، إما بسبب تصرفات متعمدة من جانب أحد الأطراف أو سوء تقدير غير مقصود. وفي الواقع، لدى ترامب أسباب وجيهة للشعور بالضجر من الجهود الفاشلة في أوكرانيا، لكن هذا سيكون أسوأ وقت ممكن له للانسحاب. مع ذلك، لتحفيز التقدم الدبلوماسي، لا بد من استراتيجية جديدة، استراتيجية تعتمد على الترغيب لا الترهيب لتغيير حسابات بوتين. وتكمن أقوى نقاط قوة ترامب في أنه أقل اهتمامًا بشروط الهدنة الفعلية من نظيره الروسي. فبالنسبة له، أي نتيجة تُوقف القتال كافية، أما بوتين، فيُولي اهتمامًا بالغًا بالتفاصيل، ويحتاج إلى تدخل الولايات المتحدة لإنهاء الحرب بشروط مُرضية".
وبحسب الموقع، "من المؤكد أن روسيا قادرة على تحقيق أهدافها العسكرية من دون مشاركة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بالاستيلاء على ما تبقى من دونباس بالقوة، لكن ستظل أهداف بوتين السياسية والاقتصادية بعيدة المنال، بما في ذلك أمور مثل الالتزام الراسخ بعدم توسع حلف الناتو شرقًا، ووعود بتخفيف العقوبات على الاقتصاد الروسي. ينبغي لإدارة ترامب أن تستغل هذا الخلل، لتشير إلى موسكو بأنها مستعدة للتفاوض بشأن
القضايا السياسية والاقتصادية الأكبر التي تهم بوتين الآن، ولكن هذه الرغبة محدودة زمنيا ومتضائلة. كما يتعين على واشنطن أن توضح أنه بعد تاريخ انتهاء صلاحية معين، فإنها سوف تساعد في التوسط للتوصل إلى تسوية محدودة بين الطرفين المتحاربين، ولكن الصفقات السياسية أو الاقتصادية الكبرى لن تكون على الطاولة بعد الآن، وسوف تصبح فرصة إجراء مراجعة شاملة للهيكل الأمني المستقبلي لأوروبا من الماضي".
وأضاف الموقع، "في مواجهة هذه الخيارات، قد يضطر بوتين إلى الموازنة بين أهدافه المعلنة: المكاسب الإقليمية الناجمة عن استمرار الحرب، والمكاسب السياسية والاقتصادية والمكانة التي قد يجلبها الاتفاق مع واشنطن. في الواقع، قد يُقرر مواصلة القتال، لكنه قد لا يفعل. وإذا أصرّ على هذه الحرب، فعليه أن يفعل ذلك مُدركًا أن قضاء المزيد من الوقت في ساحة المعركة قد يُكلّفه حل "أسبابه الجذرية" ويُقلّل من حلاوة أيّ نصر. وبالنسبة للولايات المتحدة، تنطوي هذه الاستراتيجية على مزايا كبيرة ومخاطر منخفضة، فهي لن تُلزم واشنطن بتقديم تنازلات محددة، ولن تُفاقم التوترات مع روسيا. ستواصل الولايات المتحدة دعم أوكرانيا، لكنها سترسل إشارة إلى بروكسل وكييف بأنها غير مهتمة بتوسيع أو تصعيد مشاركتها، والأمر الأكثر أهمية هو أن جعل التنفيذ النهائي لأي اتفاقيات ثنائية سياسية أو اقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا مشروطا بحل القضايا الخاصة بأوكرانيا، من شأنه أن يحفز إحراز تقدم حقيقي نحو إنهاء الحرب".