ذكر موقع "National Security Journal" الأميركي أن "سوء التقدير والطموح والغموض في طهران من شأنه أن يؤدي إلى إشعال صراع أكبر بكثير من أي صراع شهده الشرق الأوسط منذ عقود. فقد دخل الشرق الأوسط أكثر فتراته تقلبًا منذ سقوط الشاه عام 1979، وقد زعزع هذا الحدث توازن القوى في المنطقة باستبدال دولة راسخة موالية للغرب بنظام ديني ثوري عازم على تصدير أيديولوجيته، ما أشعل أربعة عقود من الحروب بالوكالة، والتنافس الطائفي، وعدم الاستقرار الاستراتيجي في كل أنحاء الشرق الأوسط".
وبحسب الموقع، "إن الخطر اليوم لا يتمثل في شرارة واحدة أو خطأ في التقدير، بل يتمثل التقارب بين تعتيم إيران النووي، وحربها بالوكالة، وإكراهها البحري، وإيمانها المتزايد بأن المواجهة على مستوى المنطقة ليست قابلة للبقاء فحسب، بل وقابلة للانتصار أيضاً. وهذا هو التهديد الأساسي الذي يواجه النظام الدولي: النظام الإيراني الذي يشعر بالجرأة وعدم الخضوع للرقابة وعدم القدرة على ضبط النفس. كانت الرسالة العلنية التي وجهتها إيران بعد حرب الأيام الاثني عشر هذا الصيف أن النظام خرج منتصرًا، وحافظ على تماسكه، وقادرا على تحمل تكاليف أكبر بكثير. ويشير هذا الموقف العلني إلى ثقة خطيرة بقدرة
إيران على الصمود أكثر من خصومها في حرب إقليمية طويلة الأمد".
وتابع الموقع، "تُشير المعلومات الاستخباراتية الأخيرة بوضوح إلى أن إيران تُجهّز لصراع أوسع نطاقًا بكثير من المناوشات التي هيمنت على عناوين الأخبار في السنوات الأخيرة. إن استيلاء طهران على ناقلة نفط في مضيق هرمز، واستعداداتها العلنية لإطلاق وابل من الصواريخ، ورفضها منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول إلى المواقع النووية التي قُصفت، كلها تُشير إلى الاتجاه عينه. إن إيران دولة تتصرف كما لو أن الحرب أمر لا مفر منه وتشكل وضعها وفقًا لذلك. وتتقاطع مسارات تصعيدية متعددة في آنٍ واحد، فلم تعد القيادة الإيرانية ترى في المواجهة دافعًا للردع، بل ترى فيها فرصة".
وأضاف الموقع، "في
لبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن، نجت شبكة وكلاء إيران من صدمات العام الماضي، وتكيفت مع الوضع. ورغم الخسائر الفادحة التي مُنيت بها حماس، لا تزال قادرة على القمع الداخلي، وقد أعادت فرض سيطرتها على مناطق قطاع غزة التي انسحبت منها إسرائيل. أما
حزب الله، الذي تم إضعافه في بداية الصراع على يد إسرائيل، فقد تمكن من استعادة جزء من قدرته على شن الغارات ويقوم الآن بإعادة بناء البنية التحتية الخاصة به في مختلف أنحاء جنوب لبنان. في العراق، تمارس الفصائل الشيعية الموالية لطهران ضغوطًا على النظام السياسي، وتحشد قواها ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية. وفي اليمن، يحشد الحوثيون القبائل علنًا تحت شعارات "الموت لأميركا" و"النصر للإسلام". وتعكس هذه التطورات استراتيجية إيرانية منسقة لتوسيع نطاق الخصوم عبر جبهات متعددة، وإغراق دورات صنع القرار، وخلق ما يكفي من الغموض لإخفاء يد طهران في التصعيد".
وبحسب الموقع، "يكمن جوهر هذه الاستراتيجية في البرنامج النووي الإيراني. فقد أدى انهيار آليات الشفافية، على محدوديتها، إلى خلق فراغ استخباراتي لا يستفيد منه سوى طهران. مع منع المفتشين، وقصف المنشآت دون تحقيق، وعدم التحقق من كميات اليورانيوم المخصب، هيأت إيران الظروف لأزمة يُدرك فيها كل طرف أسوأ ما في الطرف الآخر ويتصرف بناءً على ذلك. وفي الواقع، سوء التقدير يزدهر في الظلام. لقد مرّ العالم بمثل هذه التجربة من قبل، بما في ذلك في وقت سابق من هذا العام خلال الفترة التي سبقت حرب الأيام الاثني عشر. أما المختلف الآن فهو أن قيادة طهران، على ما يبدو، قد أدركت أن المواجهة حتمية، بل قد تُعزز موقفها. فهي ترى
الولايات المتحدة منقسمة ومرهقة، وإسرائيل مقيدة سياسيًا وعسكريًا، وأوروبا مشتتة بسبب أوكرانيا والتشرذم الداخلي. كما وترى إيران في مضيق هرمز رافعةً لأسواق الطاقة العالمية، وترى في وكلاءها قوةً مضاعفةً قادرةً على استنزاف خصومها دون إثارة ردٍّ انتقاميٍّ مباشرٍ على الأراضي الإيرانية".
وتابع الموقع، "هذا التقييم خاطئٌ بشكلٍ خطير، فالحرب المقبلة التي ستخوضها إيران ضد إسرائيل لن تُشبه الصراعات الأخيرة في غزة أو لبنان، ستكون أوسع نطاقًا وأسرع وأكثر تدميرًا، ستُستهدف القوات الأميركية في الخليج فورًا، وستواجه إسرائيل أكبر وابل من الصواريخ والطائرات المُسيّرة في تاريخها. قد يُغلق مضيق هرمز، ولو مؤقتًا، مما يُدخل أسواق الطاقة العالمية في حالة من الفوضى، وستُجبر دول المنطقة، السعودية والإمارات والأردن والعراق، على الانخراط في الصراع، سواءً رغبت في المشاركة أم لا. وفي الحقيقة، لن تبقى هذه الحرب محصورة، بل ستؤثر سلبًا على سلاسل التوريد، والتضخم العالمي، وأسعار التأمين البحري، وتدفقات الطاقة الدولية. كما ستُجهد وحدة حلف شمال الأطلسي، وتُعقّد المنافسة بين القوى العظمى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتُتيح لروسيا والصين فرصة استغلال تشتت انتباه الغرب وتوتر الوحدة. ومن المرجح أن تُهاجم كيانات إرهابية مدعومة من إيران أهدافًا في أوروبا وأميركا الشمالية، وربما أميركا الجنوبية".
وأضاف الموقع، "علاوة على ذلك، أمضت إيران سنوات في تطوير برنامج حرب معلوماتية يُفعّل في الساعات الأولى من أي صراع. إن
وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، والوحدات السيبرانية، وشبكات التضليل التابعة لها، من شأنها تضخيم الروايات المصممة لتفتيت الرأي العام الغربي، وتقويض الثقة بالحكومات، وتعقيد عملية صنع القرار المنسقة. لقد أصبح دمج العمليات السيبرانية مع التخطيط الحركي في إيران الآن أكثر تعقيدًا بكثير مما كان عليه أثناء التصعيدات السابقة، مما يزيد من احتمال تعرض البنية التحتية في أوروبا وأميركا الشمالية، وليس فقط في الشرق الأوسط، للاضطراب. إن القوى الغربية المتوسطة، مثل كندا وأستراليا والمملكة المتحدة، التي غالبًا ما تُخدع بظنها أن أزمات الشرق الأوسط بعيدة، لن تكون بمنأى عن هذه المخاطر، فمن شأن صراع كبير أن يُعطل الأسواق العالمية، ويرفع التضخم، ويهدد أمن الطاقة، ويفرض قرارات صعبة بشأن التزامات التحالف، ومن شأن ذلك أن يختبر أجهزة الاستخبارات، والاستعداد العسكري، والمرونة الدبلوماسية في وقت تعاني فيه كل هذه الأجهزة بالفعل من ضغوط".
وبحسب الموقع، "لا يمكن للعالم أن يتحمل الانخراط في هذا الصراع. أولاً، يجب على صانعي السياسات إدراك أن الديناميكية الحالية ليست ثابتة. إن تعتيم إيران النووي، وتزامن تحركاتها بالوكالة، والإكراه البحري، والتطرف السياسي، كلها إشارات تصعيدية. ثانيًا، يجب على المجتمع الدولي استعادة الرقابة النووية الفعّالة، فمن دون الشفافية، تُصبح كل حركة مُحفّزًا مُحتملًا، وكل شائعة تُصبح تهديدًا. ثالثًا، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تعزيز الردع، وهذا يعني موقفًا عسكريًا مستدامًا، وليس رمزيًا، ويعني أيضًا خطوطًا حمراء موثوقة للتدخل البحري، ويعني أيضًا رسالة منسقة إلى طهران مفادها أن التصعيد على جبهات متعددة لن ينجح. أخيرًا، يجب إشراك الأطراف الإقليمية الفاعلة في إطار دبلوماسي يُعالج المخاطر المباشرة والبنية الأمنية الطويلة الأمد. لقد عانى الشرق الأوسط عقودًا من وقف إطلاق النار المتقطع والهدنات المؤقتة، وما يحتاجه الآن هو مشاركة مستدامة تُقلل من دوافع إيران للمراهنة على الحرب".
وختم الموقع، "إيران تدفع المنطقة نحو صراع سيُغرق ليس جيرانها فحسب، بل العالم أجمع. الخيار أمامنا بسيط: إما مواجهة تصعيد إيران اليوم، أو مواجهة حرب إقليمية بشروطها غدًا".