ذكرت صحيفة "The Spectator" البريطانية أنه "عندما يصل رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فلوريدا إلى منتجع مارالاغو التابع للرئيس الأميركي دونالد ترامب في غضون أيام قليلة، سيكون من بين أهم بنود جدول أعماله تقديم سرد واقعي للنشاط العسكري الإيراني وما قد ينذر به مستقبلاً. كما وسيقدم إحاطة للرئيس حول سلسلة متواصلة من التدريبات الإيرانية على الصواريخ الباليستية التي أجريت في مناطق متعددة، والتحرك المرئي لوحدات الصواريخ وقاذفاتها والبنية التحتية الداعمة من قبل الحرس الثوري الإسلامي، وتقييم
إسرائيل بأن هذه الإجراءات تخدم غرضاً مزدوجاً. إنها تشبه التمارين الروتينية في الشكل، لكنها تحاكي بدقة مثيرة للقلق الاستعدادات التي تسبق الضربة الفعلية، وفي الوقت عينه، تعكس هذه الأحداث تحولاً إيرانياً واضحاً نحو الحرب الصاروخية التقليدية كأداة رئيسية للضغط على إسرائيل، على الأقل في الوقت الحالي، وذلك في أعقاب الضرر الذي لحق ببرنامجها النووي والتدهور الجزئي لشبكة وكلائها الإقليمية".
وبحسب الصحيفة، "هذه اللحظة تنتمي إلى مواجهة امتدت لعقود ولا تبدي أي ميل نحو نهايتها، وهي لا تستمد قوتها من الأحداث بقدر ما تستمدها من الأيديولوجيا، ولا من التصعيد بقدر ما تستمدها من التكيف. إن ما يضفي على هذه المرحلة إلحاحها هو أنها توضح طبيعة النظام الذي يقودها: نظام مغلق أيديولوجياً، إن هوسه بتدمير إسرائيل وتقويض القوة الأميركية ضيق الأفق وقسري لدرجة أنه يستمر حتى في مواجهة الخراب الاقتصادي والانهيار الداخلي وانعدام أي التزام تجاه سلامة شعبه. إن هذا الهوس مؤسسي: ففي تشرين الأول 2025، استضافت جامعة الإمام الحسين، الذراع الأكاديمية للحرس الثوري الإيراني، مؤتمرها الدولي الثالث بعنوان "انحطاط أميركا: العصر العالمي الجديد"، حيث قدمت تآكل القوة الأميركية والقضاء على إسرائيل كمشروع حتمي ومُدبّر إلهياً يجب السعي لتحقيقه على مدى أجيال".
وتابعت الصحيفة، "قد يكون مشروع
إيران النووي وشبكتها من الوكلاء في حالة انهيار، لكن دوافعها لا تزال قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة لموقفها تجاه
الشرق الأوسط القديم والجديد، كما وخططها تجاه إسرائيل لا تزال كما هي. ولم تأتِ الإشارة العلنية الأكثر أهمية من طهران، بل من القدس. ففي قمة ثلاثية عُقدت في القدس في 22 كانون الأول، وقف نتنياهو إلى جانب زعيمي اليونان وقبرص، وقال بوضوح تام أمرين: إسرائيل تراقب عن كثب، وأي إجراء ضدها سيُقابل بردٍّ شديد. وكان للتصريح وزنه لأنه كان مدروساً، ولأنه تم تقديمه دون مبالغة أو استعراض. إذا تجردنا من الصياغة الدبلوماسية، يصبح التقييم أكثر وضوحًا. لا تستطيع إسرائيل الجزم بأن التحرك الحالي مجرد استعراض، فهي تُرجّح أن إيران قد تنوي شنّ هجوم، وأن الفارق بين التدريب والتنفيذ قد تقلص. وبعد السابع من تشرين الأول، تلاشى أي تسامح استراتيجي مع عنصر المفاجأة".
وأضافت الصحيفة، "تعتمد الاستراتيجية الإيرانية على الاستنزاف بدلاً من الحسم، وينطلق مبدأها الأساسي من أن إسرائيل أكثر عرضة للضغط التقليدي المستمر من أي عمل حاسم منفرد. وتُعتبر عمليات إطلاق الصواريخ المكثفة، والضربات المتكررة على مدى فترة زمنية، والضغط المستمر على حياة المدنيين، الأدوات الرئيسية، التي تُطبّق بصبر وعلى نطاق واسع، بهدف تقويض الدفاعات والصمود والاستقرار الاقتصادي بدلاً من السعي إلى لحظة تدمير واحدة. يشير التطوير الجاري حاليًا إلى زيادة في حجم القصف، المزيد من الصواريخ، كثافة أكبر من النيران ذات المسارات الحادة، جهد متعمد للحد من فعالية أنظمة الدفاع
الإسرائيلية، التي تُعدّ قوية ولكنها ليست منيعة، وتوسع في الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية والمدنيين، بعد إدراك واقعي بأن حتى أنظمة الحماية المدنية الإسرائيلية المتقدمة لها حدود عند مواجهة تأثيرات صاروخية كثيفة. ومن ثم، يتمثل الهدف في الاستنزاف: الضغط الاقتصادي، وتثبيط الروح المعنوية، والضغط المستمر، الذي تعززه حملة عالمية لنزع الشرعية ومعاداة السامية تُقدم على أنها نقد أخلاقي. وإيران نشطة في هذا المجال أيضاً".
وبحسب الصحيفة، "لإحداث هذا الكمّ الهائل من النيران، لا تزال إيران تحتفظ بخياراتٍ لطالما طوّرتها. فبإمكانها محاولة التصعيد على جبهات متعدد، وهو ما يُمثّل الإطار الاستراتيجي الذي ساهم قاسم سليماني في ترسيخه، والذي لم يُفعّل بالكامل بعد. لقد تم إضعاف المحور الإيراني، لا تفكيكه، ولا تزال الفصائل في
لبنان والعراق واليمن مسلحة ومتواجدة وقادرة على الانضمام إلى تحرك انتقامي، مما يعقد رد إسرائيل ويتحدى ممارستها الأخيرة المتمثلة في معالجة ساحات متميزة بشكل منفصل ومتسلسل. كل هذا يُشكّل خلفيةً لاجتماع نتنياهو مع ترامب، وقد يكون هذا الموضوع هو الأكثر أهمية، ويسبق موضوعي غزة وحزب الله. فغزة تصطدم برؤى إعادة الإعمار والخطط الكبرى، ويصطدم
حزب الله بطموحات الحفاظ على الدولة
اللبنانية، أما إيران، فموقفها مختلف. من بين هذه الجبهات الثلاث، ربما واحدة فقط تتيح مجالاً للعمل الحاسم".
وتابعت الصحيفة، "إن سلوك إيران يُبدد أي وهم بشأن الأولويات، فحتى في ظل نقص المياه وانقطاع الكهرباء والانكماش الاقتصادي، وجّه النظام موارد هائلة نحو أدوات الهجوم، وكان اعتراف محمد جواد ظريف الأخير على قناة الجزيرة بإنفاق نحو 500 مليار دولار على البرنامج النووي لافتاً للنظر تحديداً لأنه لم يحمل أي ندم. وصُوِّر هذا الإنفاق على أنه تحدٍّ أيديولوجي، أما الحكم الأخلاقي الذي أصدره آخرون، فيُقارن هذا الرقم بخزانات المياه الفارغة والبنية التحتية المتهالكة. وكان هذا الاختيار متعمداً. في الواقع، في حين استثمرت إسرائيل بلا هوادة في الملاجئ وأنظمة الإنذار المبكر وتعزيز قدرة المدنيين على الصمود، لم توفر إيران لشعبها سوى القليل من الحماية من الحروب التي تسعى إليها".
وأضافت الصحيفة، "خلال الحرب، كانت إسرائيل تمتلك القدرة على المضي قدماً، والسعي المباشر لتغيير النظام، لكنها اختارت ضبط النفس. ويظل تركيزها منصباً على البقاء والحماية بدلاً من الغزو الأيديولوجي. وحتى تحت وطأة النيران، استمر اقتصادها في العمل، واستوعب مجتمعها الصدمات دون أن ينهار، هذه المرونة تُحبط طهران، التي تتحدث علنًا عن تحطيم المعنويات وتفكيك الازدهار، وقد فشلت هذه الجهود حتى الآن. ينبغي على العالم أجمع أن يراقب هذا النظام بنفس الوضوح الذي تُجبر إسرائيل على تطبيقه. إن القيادة الإيرانية منغمسة تماماً في مشروع تدمير إسرائيل لدرجة أنها تقبل، بل وترحب، بالتضحية بشعبها كأثر جانبي. إنّ النقص المزمن في المياه، وانهيار البنية التحتية، والإنهاك الاقتصادي، وانعدام الحماية الأساسية للمدنيين، ليست عواقب غير مقصودة، بل هي تكاليف مُحتملة. ولا يتوقف هذا الهوس عند حدود إسرائيل. ففي كل أنحاء أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة، تستمر مؤسسات النظام الإيراني وشبكاته وعملاؤه في العمل علنًا، منخرطين في الترهيب والتخريب والتحضير. ومن العواصم الأوروبية إلى أميركا اللاتينية، بما فيها فنزويلا، أقامت الجمهورية الإسلامية شبكة نفوذ واسعة النطاق، هدفها إثارة الفوضى والإكراه والعنف في الخارج، وتقف إسرائيل في طليعة هذا المشروع، لكنها ليست وجهته النهائية".