Advertisement

عربي-دولي

السودان ومخاطر فيضانات سد النهضة

Lebanon 24
28-05-2020 | 05:54
A-
A+
Doc-P-707805-637262676210454940.jpg
Doc-P-707805-637262676210454940.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

كتب أستاذ الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ووزير الموارد المائية والري الأسبق، محمد نصر الدين علام: "سدود تخزين المياه للاستخدامات المختلفة من زراعة وصناعة وشرب وسياحة وغيرها يتم عادة تصميمها من ثلاث سعات رئيسية، الأول مخزون ميت مخصص لحجز المواد الرسوبية، والثاني مخزون حي لتخزين المياه في شهور الفيضانات وفي السنوات المطيرة لاستخدامها على مدار السنة وفي سنوات الجفاف، والثالث مخزون للوقاية من الفيضات العالية لحماية الناس من المخاطر وحماية السد من الانهيار. ولنأخذ السد العالي مثالا، فنجد أن المخزون الميت في حدود 30 مليار متر مكعب، والمخزون الحي 90 مليار متر مكعب، ومخزون الحماية من الفيضانات 40 مليار متر مكعب. ولذلك كل فتحات تصرفات السد أعلى من المخزون الميت، وبروتوكول تشغيل السد العالي ينص على أنه قبل موعد الفيضان السنوي وتحديده في أول أغسطس من كل عام، يجب أن لا يتجاوزمنسوب بحيرة ناصر أعلى منسوب للتخزين الحي لمواجهة مخاطر الفيضان الجديد. وفي السدود الكهربية، نجد أن كمية الكهرباء المولدة تتناسب طرديا مع كميات المياه المنصرفة من أنفاق التوربينات (التصرف المائي)، وعمق المياه المخزنة فرق منسوب التوربينات (الضاغط المائي). ولذلك فان سدود الكهرباء تعمل على الحفاظ على أعلى منسوب ممكن لتخزين المياه لتوليد أكبر كمية ممكنة من الكهرباء، ويتم أحيانا استغلال جزء من مخزون الحماية من الفيضانات لزيادة ارتفاع الضاغط المائي وزيادة توليد الكهرباء.
Advertisement
 
السد الكاميروني (سد لاجدو) في غرب أفريقيا بالقرب من حدود نيجيريا، مثالا أفريقيا لما يحدث أحيانا من تجاوزات في ملء وتشغيل سدود الكهرباء لتعظيم انتاج الكهرباء، ففي عام 2012 سقطت أمطار غزيرة في الكاميرون وتسببت في فيضانات عالية في نهر النيجر الذي يقع عليه السد. وخوفا على سلامة السد، قام المسؤولون بفتح البوابات لتفريغ مخزون المياه سريعا ولاستيعاب مياه الفيضان الجديد. وكانت المياه المنصرفة من السد كالسيل الجارف أدت الى مشاكل كبيرة في نيجيريا من مقتل 431 شخصا، وتدمير 150 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وهجرة 1.3 مليون من المواطنين. وتكرر نفس الموقف مرة ثانية في هذا الشهر. لقد تعرضت منطقة السد في الكاميرون الى أمطار كثيفة وقامت هيئة السد بتفريغ كميات كبيرة من مخزون السد من المياه لاستيعاب فيضانات هذا العام، وللأسف حدث دمار لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في نيجيريا. ولنأخذ مثال آخر من شرق أفريقيا، خزان أوين على مخرج بحيرة فيكتوريا بأوغندا ونتيجة الأمطار الكثيفة على البحيرة هذا العام، وقيام ادارة الخزان بالاحتفاظ بمنسوب عالي للبحيرة لتعظيم انتاج الكهرباء، فاضت بحيرة فكتوريا وأغرقت الشمال الأوغندي، واضطرت ادارة الخزان الى تفريغ كميات كبيرة من المخزون أدت الى غرق جنوب السودان بفيضانات عالية اجتاحت سهولها وقراها.
 
وسد النهضة الأثيوبي تبلغ سعته 74 مليار متر مكعب، وليس معلوما عن سد النهضة أي بيانات محددة عن حجم المخزون الميت والمخزون الحي ومخزون الحماية من الفيضان. وسد النهضة أضخم كثيرا من سد لاجدو الكاميروني وله 13 توربينة من نوع فرانسيس بولد كل منها 375 ميجاوات. ومن الضروري لتأمين السد، انشاء نظام اتصالات تليمتري لربط محطات قياس الأمطار وقياس الفيضانات وربطها مع موقع البث باستخدام نظام الأقمار الصناعية، مع مراعاة نقل هذه المعلومات لدولتي المصب لمساعدتهما في مواجهة الفيضانات وادار المياه ومن البيانات مائيا المتاحة للنيل الأزرق أقصى بصرف يومي أثناء فترة الفيضان (يوليو-أغسطس) حوالي 800 مليون متر مكعب، وأقصى تصرف شهري حوالي 24 مليار متر مكعب، وأقصى تصرف سنوي للنيل الأزرق في حدود 70 مليار متر مكعب. ومتوسط التصرف السنويللنيل الأزرق حوالي 50 مليار. ويجب أن لايقل المخزون الحي عن القيمة المتوسطة للتصرف السنوي، والسعة التخزينية المطلوبة للحماية من الفيضانات يجب أن لاتقل عن أقصى تصرف شهري للنيل الأزرق. والسعة الكلية للسد 74 مليار متر مكعب، أي ما يكفي متطلبات المخزون الحي والحماية من الفيضانات. ومن الواضح أنه ليس هنالك اعتبار واصحا للمخزون الميت لتخزين المواد الرسوبية. والنيل الأزرق يحدث فيه كميات ضخمة من المواد الرسوبية يحملها النهر سنويا الى كل من مصر والسودان. فلقد قامت مصر بتخصيص 30 مليار متر مكعب من مخزون السد العالي للمخزون الميت لاستيعاب المواد الرسوبية من النيل الأزرق. وقد يكون السبب الرئيسي لمحدودية المخزون الميت لسد النهضة، هو اعتماد أثيوبيا على خططها لانشاء سدود أخرى مستقبلية بطول النيل الأزرق لحجز المواد الرسوبية بالتراكم أمام السد، وستشغل جزءا من سعة السد يزداد سنويا على حساب سعة المخزون الحي فيقل انتاج الكهرباء، أو على حساب سعة الحماية من الفيضانات فيزداد تعرض المنطقة بصفة عامة والسودان بصفة خاصة لمخاطر فيضانات في المستقبل.
 
وسد النهضة لم يكتمل بعد، فاجراءات التنفيذ مستمرة لاستكمال الجزء الأوسط من السد الذي قد يحتاج عاما اضافيا لاتمامه. ومازالت أثيوبيا أيضا تحاول الانتهاء من تنفيذ خطط الضغط العالي الأثيوبي (الممول صينيا) والذي سوف ينقل الجزء الأكبر من كهرباء السد الى الداخل الأثيوبي، ومصر لن تستورد الكهرباء من أثيوبيا نتيجة المواقف الأثيوبية المعادية، والسودان يرغب في شراء الكهرباء لكن لم يبدأ في انشاء خط الضغط العالي لنقل كهرباء السد الى الداخل السوداني والذي يتطلي 3-4 سنوات لتنفيذه. وكما هو معلوم في السدود الكهربائية أنه في حالة عدم تشغيل توربينة من توربينات السد فانه يتم اغلاق النفق أو خزء من النفق الخصص لها بالسد، لعدم السماح بتمرير مياه فيه، والا تعرضت التوربينة للتلف والتدمير. ولذلك فان المنصرف من سد النهضة سيكون محدودا في بدايات التشغيل، واذا تعرض السد لفيضانات عالية خلال هذه الفترة ستبدأ المياه في التراكم أمامه وترتفع مناسبيها حتى التدفق خارجه من مهارب الفيضان أعلى السد، ومهددة سلامة السد الذي سيصبح كالشلال المائي الكبير، والماء يتدفق من خلال مهارب الفيضان على ارتفاع يقرب من 150 متر مسببا مشاكل للسودان بعد اتنهاء أثيوبيا من انشاء خط ضغطها العالي لنقل الكهرباء. وبعد انتهاء السودان أيضا من خط نقلها الكهربائي من السد لداخل السودان، وبعد مرور سنوات وبدء تراكم المواد الرسوبية أمام السد على حساب سعة الحماية من الفيضانات. فاذا وصل المخزون المائي الى 65 مليار متر مكعب مثلا في أول أغسطس وجاء فيضان عالي 240 مليار متر مكعب فيمتلئ السد ويمرر تصرف مائي للخارج أسفل النهر مقداره 500 مليون متر مكعب يوميا لمدة شهر كامل وبينما امتلاء السد تماما بالمياه وبدأت مياهه من الخروج على استيعباء من المفيض أعلى السد واذ يستمر الفيضان لمدة أسبوع أو أسبوعين، والسد عاجزا تماما عن تخزين نقطة واحدة من الفيضان ومنطقة النيل الأزرق في السودان الحبيب تغرق وتنهار المنشآت المائية وينتشر الموت والدمار وترتعب ادارة سد النهضة وتخشى أن ينهار السد ويقومون بتصريف مياه زيادة المخزون حتى يصل المنصرف من مياه السد لأعلى من مليار متر مكعب يوميا.
 
وقد يتساءل البعض ما الجديد بالنسبة للسودان في فيضانات النيل الأزرق وهي معتادة عليها؟ ولماذا يتعرض السودان لمخاطر فيضان النيل الأزرق نتيجة لسد النهضة بينما المفروض أن يحدث العكس؟ والحقيقة أنّ السودان قبل سد النهضة، كان يعالج السدود السودانية قبل الفيضان أما بعد سد النهضة فكما جاء في العديد من الدراسات بأنه لن يحتاج لتفريغ السدود وسيتم استغلال السدود في توليد الكهرباء أثناء فترة الفيضان. وقبل سد النهضة كانت المشكلة محصورة في التعامل مع مخاطر فيضان النيل الأزرق، أما بعد تشغيل السد فهناك احتمال حدوث خطأ من ادارة السد وصرف كميات ضخمة من المياه، حرصا على سلامة السد، مما قد يزيد من المخاطر على السودان. ذلك بالاضافة الى أن مياه النيل الأزرق لن تكون محملة بالرسوبيات كما كان الحال قبل السد مما يزيد عن سرعتها وخطورتها في نجز الترع والمنشآت".
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك