بعدما وصلت الأمور إلى حدّها الأقصى من التشنج بين المكونين الأقوى على الساحة المسيحية، وهذا ما أفرزته الإنتخابات النيابية، وبعد أن وقف تأليف الحكومة المنتظرة عند حدود معراب وسن الفيل مع تفاقم الأزمة التمثيلية بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، تم تسريب وثائق تفاهم معراب الممهر بتوقيع كلٍّ من رئيس حزب "القوات" الدكتور سمير جعجع ورئيس "التيار" الوزير جبران باسيل كطرفين موقّعين، ووزير الإعلام ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان كشاهدَين.
وقد نصّ الاتفاق على ما يلي:
في الصفحة 2 فقرة (ج)، تتوزّع المقاعد الوزارية بين "القوات" و"التيار" مناصفةً، أي المقاعد المخصصة للطائفة المسيحية بما فيها السيادية منها والخدماتية، والموزّعة على المذاهب المسيحية المختلفة وفي حكومات العهد كافة، وذلك بعد احتساب الحصة المسيحية التي جرت العادة أن تكون لرئيس الجمهورية، أي وزيران مسيحيان من حكومة من 24 وزيرًا أو 3 وزارء مسيحيين في حكومة من 30 وزيرًا.
ويحتفظ كلّ فريق من الفريقين بحقّه في استبدال مقعد أو أكثر من مقاعده الوزارية بأخرى تعود للطوائف الإسلامية، كذلك يتولّى كلّ مِن الفريقين أمرَ حلفائه بما يراه مناسبًا. وقد دوّنت الحقائب السيادية على هامش الصفحة وهي، الخارجية، الدفاع، المال والداخلية.
وفي الصفحة 3 الفقرة (هـ)، يُصار إلى توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، بما فيها المراكز القيادية الأولى في المؤسسات الرسمية، ومِن ضِمنها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان..إلخ، وبالاتفاق بين الطرفين وذلك وفقًا لمعايير الكفاءة والنزاهة.
وتكمِل الفقرة: مع احترام الآلية المقرّة في مجلس الوزراء، ويأتي تبادل المراكز بين الطرفين حلاً حيث ينتفي الاتفاق بينهما.
أمّا الفقرة (ز) من الصفحة الرابعة والأخيرة، فتقول: يتفق الطرفان على أن تكون كتلتا "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" النيابيتان مؤيّدتين لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعاملتين على إنجاح عهدِه من خلال تحقيق المصالحة الوطنية ومكافحة الفساد وتعزيز الدور المسيحي الوطني وصلاحيات رئيس الجمهورية وتحقيق الإصلاح المنشود.
ويضيف الجزء الأخير من الفقرة: يشكَّل فريق عمل من الطرفين لتنسيق خطوات العهد وسياساته تبعاً لنظرة الفريقين سويّاً.
وبناء على هذه الوثائق الواضحة، التي لا يمكن لأحد التنصل منها لما فيها من تفاصيل محدّدة، يتبيّن أن ما تطالب به "القوات"، التي تعرف حجمها، ليس من نسج الخيال بل مستند إلى تفاهم يعود تاريخه إلى 18 كانون الثاني 2016، أي قبل الإنتخابات الرئاسية، وحين كان حجم "القوات" التمثيلي بالأرقام هو ما يقارب نصف حجم "التيار"، مما يستوجب طرح تساؤل عن دوافع الوزير باسيل بالقبول بهكذا تفاهم قد يقول البعض أنه غير متوازن، ليأتي الجواب "أن لكل مقام مقال"، وأن الظروف حينذاك حتّمت عقد مثل هكذا تفاهم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا قبلت "القوات" الأ تتمثل في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان بما لا تقبل به الآن، بمعنى أن توزيع الوزراء المسيحيين لم يأت تطبيقًا لتفاهم معراب، وهي قبلت بثلاثة وزراء، هم: غسان حاصباني وملحم الرياشي وبيار ابوعاصي ورابع محسوب عليها هو ميشال فرعون)، أي أربعة وزراء مقابل ستة وزراء لـ"التيار"هم: جبران باسيل وسيزار أبي خليل وبيار رفول وسليم جريصاتي ورائد خوري و وأواديس كدنيان عن حزب "الطاشناق"، فيما حصل رئيس الجمهورية على ثلاثة وزراء، هم: نقولا تويني ويعقوب الصراف وطارق الخطيب.
فما بين النصوص والواقع فرق شاسع، خصوصًا أن فريق "التيار" السياسي يقول أن "القوات" لم تلتزم بالفقرة (ز) من التفاهم حين كان وزراؤها يعارضون خطط رئيس الجمهورية، وآخر هذه المعزوفة، وفق نظرية هذا الفريق، الطعن الذي تقدّم به عدد من نوابها ضد مرسوم التجنيس.
في المقابل تقول مصادر "قواتية" أن "البصم على العميانة" على كل المشاريع والقرارات من دون التوصل إلى نتائج مقنعة ومنطقية من شأنه أن يضرّ بسمعة العهد وهيبته، وأن ما قام به وزراء "القوات" لم يكن دافعه عرقلة مسيرة العهد بقدر ما كان الهدف تصويب أداء من هم في دائرة رئاسة الجمهورية حتى لا يلصق بأداء العهد أي شائبة.
ولماذا قبلت "القوات" منذ سنة وثمانية أشهر، أي عندما تشكلت الحكومة الماضية، وترفضه اليوم؟
عن هذا السؤال تجيب مصادر قواتية لتقول "إن هذا الأمر يثبت مرّة جديدة أن "القوات" تريد ومنذ اللحظة الأولى لبداية العهد تسهيل مسيرته، والدليل أنها قبلت بأن تكون حصتها الوزارية أقل مما ورد في إتفاق معراب، كبادرة حسن نية ولكي تثبت أنها تدعم العهد قولًا وفعلًا، من دون أن يعني ذلك إلغاء للذات، وأن تكون "القوات" شاهدة زور، حين ترى أن ثمة شائبة في الإداء".