كتب جوني منيّر في " الجمهوربة": المواقف المتقلّبة للموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك خلال جولته الثالثة في
بيروت تعكس بوضوح النتيجة السلبية التي حملها معه. وما عزز من هذا الإنطباع عدم تحديده موعداً لعودته الرابع. وهنا يكمن السؤال الأهم حول ما إذا كان المسار الديبلوماسي أصبح مقفلاً، وبالتالي أصبح التخاطب مقتصراً على المسار العسكري.
أياً تكن التسريبات حول بعض ما دار من نقاشات مع برّاك خلال لقاءاته
اللبنانية، إلّا أنّ المحصلة لا تشي بالتوصل إلى النتيجة التي كان يرغب بها. وقد يكون من المبكر بعض الشيء الحديث عن فشل مهمّة برّاك، لكن وفي الوقت نفسه فإنّ الإنجازات التي كان يعد نفسه بها لم تتحقق. وهذا ما يستشف من «الإنتقاد »الإسرائيلي له، وعلى أساس أنّه لم يكن حازماً بما فيه الكفاية. وصحيح أنّه لم يتحدث عن عودة رابعة له، لكن هذه العودة ستحصل لأسباب عدة، أبرزها: إنّ السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الذي تمّت تسميته، تأجّلت جلسة الإستماع إليه في الكونغرس إلى أيلول المقبل. وهو ما يؤشر إلى أنّ من الصعوبة بمكان ترك ملف سلاح «حزب الله » بلا متابعة طوال هذه المدة.
أما السبب الثاني لعودته، فتتعلق بالملف الذي بدأ يأخذ حيزاً واسعاً من التركيز، ويتعلق بقرار التجديد لقوات «اليونيفيل. ففي أروقة الأمم المتحدة كلام كثير حول نية إدارة الرئيس دونالد ترامب وقف مساهمتها المالية لهذه القوات، وخطورة الأمر أنّ هذا الموقف الأميركي يأتي استجابة لطلب إسرائيلي بإنهاء مهمّتها. . واستطراداً فقد تكون إسرائيل تود تحضير الواقع الجنوبي بدءاًمن منع إعادة الإعمار وتكريس تهجير القرى الملاصقة للحدود، ووصولاً إلى فتح الأبواب أمام اندفاع الجيش الإسرائيلي في لحظة إقليمية مؤاتية للوصول إلى الليطاني وتثبيتها لتصبح الحدود التي تنشدها
إسرائيل، وهو ما كان أشار إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه خلال إلقاء كلمته من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول الماضي، إضافة إلى تصريحات عدد من المسؤولين الإسرائيليين وفي مناسبات مختلفة، بالدعوة للوصول إلى الليطاني وتثبيت الحدود عنده.
أما السبب الثالث الذي يحتّم عودة برّاك، فهو يتعلق بتطورات خطيرة حاصلة على مستوى الساحة السورية. فالأحداث الدموية التي حصلت في السويداء كشفت عن بدء حقبة جديدة من النزاع الإقليمي بين إسرائيل وتركيا، في وقت يجري العمل على ختم حقبة النزاع بين إسرائيل وإيران .
وكما تأثر لبنان بما حصل في السويداء، وهو ما تطلّب استنفاراً عالي المستوى لمنع إنزلاق الأوضاع، فإنّ أي تطورات دموية قدتندلع بين قوات دمشق ومجموعات «قسد »، قد تحمل انعكاساتفي اتجاه الداخل اللبناني.لأجل كل ما سبق، فإنّ عودة برّاك إلى لبنان تصبح حتمية، وكذلك تتضح أكثر أسباب عدم «نجاح » المهمّة التي حملها.
ففي الجولة السابقة كان برّاك يشرح للمسؤولين اللبنانيين المكاسبالتي حققتها دمشق جراء الخطوات التي قامت بها، وداعياً لبنانإلى التمثل بها. لكنه هذه المرة كان في زاوية مختلفة ومفضلاً عدمالتطرّق إلى «النموذج السوري ».فالحجة أصبحت تلعب ضدّه.
أضف إلى ذلك ما يحصل داخل أروقة الكونغرس الأميركي مننقاش حامٍ، وربما بتحريض إسرائيلي، حول ما إذا كان ينبغي السير في دعوة ترامب برفع كل
العقوبات المفروضة على
سوريا.
وهذه الدعوات الرافضة لا تقتصر على الديموقراطيين بل إنضمّ إليها كثير من الجمهوريين، وسط تشكيك في أنّ الشرع غير قادر عن التخلّي عن ماضيه الإرهابي، وفق توصيف هؤلاء.
الخطورة في كل ما سبق، أنّ الباب العسكري
الإسرائيلي ما زال مفتوحاً، وأنّ نتنياهو نجح حتى الآن في التفلت من الذهاب إلى طي حال الحرب.