تشكّل رعاية رئيس الجمهورية جوزيف عون، بحضور أركان الدولة، افتتاح السنة القضائية باحتفال رسمي حاشد يقام اليوم في قصر العدل في
بيروت، رسالة سياسية وقضائية بالغة الدلالة، تعكس موقفاً داعماً للقضاء ولدوره، والبتّ بالملفات العالقة وإطلاق ورشة مكافحة الفساد بعيداً عن الضغوط والعراقيل التي عطّلت مسار العدالة.
وتنطلق السنة القضائية الجديدة وسط تحديات كبرى تواجه السلطة القضائية وقدرتها على معالجة ملفات صعبة ومعقّدة، خصوصاً أن التعيينات التي شملت كل المواقع الشاغرة في هرمية
القضاء، والتشكيلات القضائية الشاملة التي صدرت قبل شهر، فكّكت كل الألغام التي حالت في السنوات الماضية دون قيام القضاء بعمله.
وكتبت" الشرق الاوسط":الرعاية الرسمية لافتتاح السنة القضائية، لا تعبّر عن دعم عهد
الرئيس عون القضاء فحسب، بل تعكس التفاف الدولة بكل مؤسساتها حول القضاء واستقلاليته وحمايته من التدخلات السياسية التي لطالما أنهكت العدالة وأوصلتها إلى الشلل والتعطيل. ويؤكد مرجع قضائي بارز أن «القضاء مقبل على مرحلة واعدة من الإنجازات».
ويوضح أنها «المرّة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية التي يشعر القضاء بأنه متحرر من قبضة أهل السلطة، وهذا ما ترسّخ بمسألتين: الأولى التعيينات في المواقع القضائية الحساسة، واختيار القاضي المناسب للمكان المناسب، والأخرى إصدار التشكيلات القضائية، بالصيغة التي وضعها مجلس القضاء الأعلى بكامل أعضائه، من دون أن تطلب السلطة السياسية إدخال أي تعديلات عليها ولا حتى وضع ملاحظات»، معتبراً أن «أداء القضاة في المرحلة المقبلة سيكون خاضعاً لمراقبة ومتابعة دقيقة من مجلس القضاء وهيئة التفتيش القضائي، حتى ينجحوا في امتحان استعادة ثقة اللبنانيين بمؤسسة العدالة».
كل العهود السابقة والبيانات الوزارية المتعاقبة أعلنت التزامها دعم القضاء، لكنّ الممارسة لم تتطابق بالمطلق مع التعهدات، ويعترف المرجع القضائي بأن «معركة القضاء في مواجهة الفساد ليست سهلة على الإطلاق، لا سيما أن ملفات الفساد اعتادت أن تكون مشمولة بالغطاء السياسي، لكن الوضع القائم يبشّر بدخول القضاء مرحلة جديدة».
ويشدد على أن «ملف انفجار مرفأ بيروت، يمثّل ذروة التحدي لدور العدالة في
لبنان، إذ إن هناك الكثير من الألغام التي تواجه مهمة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، أبرزها عشرات الدعاوى القضائية التي ما زالت قائمة ولم يجر البتّ بها».
ويشير إلى أن «الهيئة العامة لمحكمة التمييز بدأت بعقد جلسات متتالية كل يوم اثنين للبتّ بدعاوى مخاصمة البيطار، كما أن محاكم التمييز باتت أمام مسؤولياتها للفصل في دعاوى الردّ والنقل التي أقيمت ضدّ البيطار، لإتاحة المجال أمام الأخير لإصدار قراره الاتهامي في أسرع وقت ممكن».
وكتب طوني كرم في" نداء الوطن":رئيس مجلس القضاء الأعلى، الرئيس الأول سهيل عبّود، يستعدّ لنشر تقرير يتجاوز 220 صفحة، يتناول أزمات السلطة القضائية غير المسبوقة بين 2019 و 2024، ويشخّص الأسباب الأساسية والتحدّيات الوجودية
والإجراءات التي اتخذها المجلس لتخطي العقبات. ويُنتظر أن يشكّل هذا التقرير قاعدة دقيقة لطرح مقاربة واقعية لواقع العدلية والشروع في إعادة الانتظام المطلوب لدورها، في ظلّ توافق نادر بين مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل ورئاستي الجمهورية والحكومة، ما فتح الباب أمام مقاربة مختلفة للملفات الحسّاسة التي لطالما شكّلت عقدة العقد.
العلاقة بين وزراء العدل المتعاقبين ورئيس مجلس القضاء الأعلى لم تكن يومًا محكومة بالانسجام. فقد اصطدمت الوزيرة السابقة ماري كلود نجم بالمجلس في ملفي التشكيلات القضائية وتعيين المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت، فيما بدا الوزير الأسبق هنري الخوري عاجزًا عن فرض أيّ قرار من داخل وزارته. وتشدّد المصادر على أن العقدة لم تكن في مجلس القضاء، بل في إرادة سياسية وحزبية سعت إلى تطويع العدلية، ورافقها تهديد علنيّ من "حزب اللّه" عبر وفيق صفا بهدف قبع المحقق العدلي وتعطيل مسار كشف الحقيقة.
لكن المشهد اليوم مختلف. إذ يلتزم وزير العدل الحالي عادل نصار والرئيس الأول سهيل عبّود حدود القانون في تحديد الأدوار، ما أتاح إنجاز تشكيلات واسعة شملت 524 قاضيًا بسلاسة غير مسبوقة، وأسقط حجج القوى التي حمّلت مجلس القضاء الأعلى مسؤولية العرقلة. وما تشهده العدلية اليوم يُعتبر إنصافًا غير معلن لرئيس مجلس القضاء، لا بل غير مطلوب!.
آمال كبيرة تُعلَّق على القضاء سواء في ملاحقة ملفات الفساد أو إنهاء الاستنسابية في فتحها. وقد حملت التشكيلات الأخيرة رسالة واضحة وفق المعنيين: لا حصانة لأحد والكفاءة هي المعيار. ورغم اعتراضات محدودة، فإن مصارحة القضاة بالمعايير المعتمدة "أقنعت" المعترضين. وترافقت هذه الخطوة مع إعادة تفعيل التفتيش القضائي، والتشديد على مبدأ محاسبة من لا تثبت أهليته خلال الأشهر الستة المقبلة.
وتكشف مصادر قضائية أن ورشة "التنقية الذاتية"، التي بدأت عام 2019 وأخرجت 13 قاضيًا، ستستكمل اليوم على نطاق أوسع مع وضع التفتيش يده على ملفات تطول أكثر من عشرين قاضيًا. التحقيقات لن تقتصر على أداء القضاة، بل ستطول ملفات فساد وهدر مال عام وتغطية ارتكابات سياسية ونافذين ستغصّ أروقة العدلية مع استدعائهم، وسط تأكيد المعنيين، أن الفساد لا طائفة له، وأن المتورطين ينتمون إلى مختلف الانتماءات.