كتبت " الشرق الاوسط": أعاد إلغاء رئيس الحكومة نواف سلام مواعيده المقررة يوم الجمعة، التذكير بممارسة سياسية مألوفة في
لبنان لدى رؤساء الحكومات، وتنوعت مفرداتها بين «الاحتجاج» و«الاعتكاف» و«تعليق العمل» وغيرها.. وجاءت خطوة سلام مباشرة بعد قيام «حزب الله» برفع راياته وصور قادته السابقين على صخرة الروشة في
بيروت، في تحدٍ واضحٍ لتعميم رسمي أصدره بمنع استخدام الأملاك العامة لأغراض حزبية أو سياسية. وبدا قراره رسالة سياسية مزدوجة تتمثل برفض أن تبقى تعليماته حبراً على ورق، وإصرار على تحميل الحكومة مجتمعة، ومعها رئيس الجمهورية، مسؤولية حماية هيبة الدولة.
الخبير الدستوري سعيد مالك أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الاعتكاف «ليس مصطلحاً موجوداً في الدستور اللبناني، ولكنه طريقة أداء وتعبير عن موقف»، وأضاف: «موضوع الاعتكاف هو أمر متعارف عليه، ولو كان غير دستوري. أما لجهة العواقب القانونية، فذلك يعتبر موقفاً سياسياً لا أكثر ولا أقل، لا يرتب أي نتائج قانونية.. مهلة الاعتكاف غير محدّدة زمنياً، إذ يمكن أن تكون قصيرة أو أن تمتد لأشهر كما حصل في سوابق سابقة».
ورأى أنه «لا يملك رئيس الحكومة عبر الاعتكاف أي صلاحية لشلّ عمل المؤسسات، بل يقتصر الأمر على الامتناع عن دعوة
مجلس الوزراء للانعقاد، فيما يستمر الوزراء في ممارسة مهامهم داخل وزاراتهم».
يكشف التاريخ أن الاحتجاج بتعليق العمل أو تغيير أجندته، رغم غيابه عن النصوص الدستورية، تحوّل إلى عرف سياسي لبناني يلجأ إليه رؤساء الحكومات حين تضيق بهم خيارات المواجهة. لكنه ظل في جوهره صرخة احتجاج أكثر منه أداة تغيير حقيقية، وغالباً ما ينتهي بتسويات تعيد إنتاج الأزمة بدل حلّها. فعام 1969، لجأ رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي إلى اعتكاف استمر أشهراً احتجاجاً على الاشتباكات بين الجيش والفصائل
الفلسطينية، ولم ينتهِ إلا بعد توقيع «اتفاق القاهرة» بوساطة الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر. بعده بأربع سنوات، وفي نيسان 1973، اعتكف رئيس الحكومة صائب سلام إثر عملية اغتيال إسرائيلية لقادة فلسطينيين في شارع
فردان، مطالباً بإقالة قائد الجيش آنذاك إسكندر غانم. ولما رفض رئيس الجمهورية سليمان فرنجية الاستجابة، قدّم سلام استقالته في 15 نيسان من العام نفسه، منهياً اعتكافاً قصيراً لكنه صاخب. ومع اندلاع الحرب الأهلية، عاد رشيد كرامي إلى خيار الاعتكاف أواخر عام 1975، معتصماً في السراي الحكومي ومعطّلاً جلسات الوزراء في محاولة لوقف القتال، قبل أن تنتهي مهمته مع انتخاب الرئيس إلياس سركيس عام 1976. وفي مرحلة ما بعد «الطائف»، استخدم الرئيس رفيق
الحريري الاعتكاف ورقة ضغط بوجه خصومه السياسيين، أبرزها عام 1994 حين توقف عن ممارسة مهامه لأيام. لاحقاً، وفي شهر آب 2015، لجأ الرئيس تمام سلام إلى ما يشبه «إجازة مفتوحة» بعدما امتنع أسبوعين عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في خضم أزمة النفايات، قبل أن يستأنف عمله. وحتى بعد انفجار مرفأ بيروت، برز الاحتجاج مجدداً عندما لوّح الرئيس حسان دياب في آذار 2021 بالتوقف الكامل عن تصريف الأعمال، في سابقة لرئيس حكومة مستقيلة، ما أدى عملياً إلى شلّ اجتماعات الحكومة حتى تشكيل حكومة
نجيب ميقاتي في أيلول من العام نفسه.