كتب
علي زين الدين في " الشرق الاوسط": خلصت جولة الوفد المالي الرسمي الأميركي في
بيروت إلى وضع ملف جدّي بالغ التعقيد على مكاتب كبار المسؤولين في الدولة، موصوفاً بأولوية توازي قضية ومرفقاً بتحديد مهلة أولى لا تتعدى الشهرين، يجري خلالها تظهير مسار قانوني وإجرائي موثوق يفضي إلى تجفيف قنوات تمويل
حزب الله. ويؤكدالدكتور محمد بعاصيري، النائب السابق لحاكم
البنك المركزي والرئيس الأول لمجموعة العمل المالي الإقليمية (مينا فاتف)، أن مكافحة الأموال غير المشروعة بكل أصنافها ووسائطها تقع في مصلحة البلد ونهوض اقتصاده وفق الأهداف الحيوية التي وردت في الخطاب الرئاسي والبرنامج الحكومي، مستذكراً تجربة
لبنان الصعبة عام 2000 حين تم إدراجه في اللائحة الرمادية للدول التي تعاني قصوراً في مكافحة غسل الأموال، ما كبدّه مبالغ طائلة للخروج منها بعد عام، وما لبث بعدها أن حقق نمواً مشهوداً في رساميل البنوك والودائع وحجم القطاع المصرفي المحلي وشبكة انتشاره إقليمياً ودولياً.
وتفيد مصادر رفيعة المستوى واكبت الاجتماعات بأن المهلة المتاحة أمام السلطات
اللبنانية تنقسم عملياً إلى فترتين زمنيتين؛ الأولى تحضيرية خلال الأسابيع الفاصلة عن بدء السنة الجديدة لإعداد وإصدار ما يلزم من تعديلات قانونية ومراسيم وقرارات مركزية وتعاميم لضبط الانفاش النقدي وحصر معظم المبادلات والمدفوعات بالوزنة المصرفية، والثانية تمتد حتى الربيع المقبل لقياس مدى نجاعة المسار المتبع ورفده بالتحديثات المطلوبة لبلوغ محطة الإنجازات الفعلية، وهو ما يتصادف مع الاجتماعات الربيعية لمجموعتي العمل المالي الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة غسل الأموال. كما أظهر الوفد المالي الأميركي تشدداً واضحاً بعدم قبول أي تبريرات لمعوقات تنفيذية أو تشريعية أو أعذار لتأخير اتخاذ خطوات إجرائية، ما يثبت ضيق هامش المناورة التقليدي لمراعاة الخصوصيات اللبنانية، وذلك بعد أن استهدفت بعض التدابير المطلوبة نزع الغطاء الرسمي عن مخالفات جسيمة ترد في مواد القانون رقم 44 الخاص بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ولا سيما تصنيف جريمة تبييض الأموال كجريمة أصلية مستقلة بحد ذاتها لا تستلزم الإدانة بجرم أصلي، كما التشدد في
العقوبات المفروضة على مرتكبي هذا الجرم، وإخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت. وفي معلومات إضافية موثوقة، أبدى الوفد الأميركي اطمئنانه النسبي إلى سلامة العمليات في القطاع المالي، سواء لجهة أداء حاكمية البنك المركزي والتدابير التي يتخذها لإدارة السيولة النقدية، والتي يرجح تطويرها خلال الفترة المقبلة باتجاه ضخ النقد والحصص الشهرية للمودعين عبر البطاقات المصرفية، أو لجهة استمرار تشدد المصارف في
التزام موجبات الامتثال والتحقق في مكافحة غسل الأموال والتطبيق الصارم لقواعد "اعرف عميلك" في الإدارة السليمة لمدفوعات ذات طابع تجاري داخلي على منوال فتح الاعتمادات وتغطية التحويلات من الخارج وإليه، وبشأن الطلب الأميركي بتشديد التحقق من مصادر وجهات التسلّم للتدفقات النقدية والعينية (ذهب وعملات رقمية وسواها) الواردة إلى لبنان خارج قنوات الجهاز المصرفي التقليدية والخاضعة لتدابير وافية، أجمعت الردود اللبنانية على أهمية ملاحظة الإجراءات الفعالة التي تم اعتمادها في مطار بيروت وتحديث الرقابة التقنية في مرفأ بيروت عبر التشغيل الوشيك لأجهزة متطورة لمسح حمولة المستوعبات.