وفق ما يؤكد نضال كناعنة، محرر الشؤون
الإسرائيلية في
سكاي نيوز عربية، فإن ما يجري ليس مجرد تعديل في التكتيك السياسي، بل هو مشروع متكامل لإعادة تموضع إسرائيل ضمن معادلة إقليمية جديدة، تبتعد عن خطاب التطرف، وتعيد بناء صورة الدولة العبرية أمام المجتمع الدولي.
من اليمين المتشدد إلى الوسط السياسي
تأتي هذه المقاربة في مرحلة حساسة داخليًا، إذ يسعى ترامب إلى تشجيع نتنياهو على الانفصال التدريجي عن رموز اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين تعتبرهما الإدارة الأميركية غير مؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة.
وتهدف هذه السياسة إلى إعادة ربط نتنياهو بالوسط الإسرائيلي وبالكتلة المعارضة المعتدلة، بما يمنحه مساحة سياسية أوسع للتحرك، ويعزز صورته كزعيم قادر على الجمع بين الأمن والاستقرار والانفتاح.
إستراتيجية أميركية جديدة
يوضح كناعنة أن الهدف الأميركي يتجاوز البعد الداخلي، إذ تسعى واشنطن إلى تحسين موقع إسرائيل الدولي بعد النزاعات المتكررة في غزة، والتي أظهرت هشاشة التحالفات الإقليمية والدولية.
وتقوم الخطة على صفقة سياسية واضحة، تحدد ما تتوقعه
الولايات المتحدة من نتنياهو مقابل الدعم السياسي والقانوني الذي يمكن أن تقدمه له، بما في ذلك احتمال منحه عفوًا عامًا بموجب سابقة "قضية الخط 300" التي تسمح بالعفو عن متهمين قبل صدور الحكم إذا كان ذلك يخدم الأمن القومي.
هذا الاحتمال، إن تحقق، قد يمنح نتنياهو متنفسًا سياسيًا واسعًا ويعيد له شرعيته أمام الداخل الإسرائيلي بعد سنوات من الضغوط القضائية.
غزة محور الرهانات الإقليمية
في موازاة ذلك، تبقى قضية غزة التحدي الأكبر أمام أي تحوّل سياسي، خاصة في ما يتعلق بملف إعادة الإعمار.
ويشير كناعنة إلى أن الدول العربية ترفض المساهمة في الإعمار طالما أن حركة حماس لم تتخلَّ عن سلاحها، ما يجعل العملية برمّتها رهينة الموقف الأمني والسياسي للحركة.
ويُرجَّح أن استمرار حماس في التمسك بسلاحها قد يقود إلى جولة جديدة من التصعيد، رغم رغبة سكان القطاع في العودة إلى حياة طبيعية بعد الدمار الهائل.
في هذا السياق، يرى نديم قطيش، مدير عام سكاي نيوز عربية، أن الإعمار ليس مجرد جهد إنساني، بل عمل سياسي بامتياز، يهدف إلى تثبيت التوازنات الجديدة في المنطقة.
ووفق قطيش، فإن حجم الدمار في غزة هائل، إذ تُقدَّر كمية الردم بنحو 50 مليون طن، وتضررت 84% من المساكن، فيما دُمرت كليًا 17 ألف وحدة سكنية، ما يجعل تكلفة الإعمار تتجاوز 20 مليار دولار.
ويشدّد على أن إعادة الإعمار يجب أن تشمل أيضًا “إعادة بناء الإنسان”، عبر خلق فرص عمل واستثمارات في الصناعة والسياحة، تُمكّن
الفلسطينيين من تحقيق استقلال اقتصادي حقيقي.
التمويل والضمانات
أما المحلل السياسي عماد الدين أديب، فيوضح أن إدارة ترامب وضعت خطة مزدوجة لإعادة الإعمار:
- الأولى سياسية، يقودها ضامنون إقليميون كقطر وتركيا ومصر والأردن لضمان الاستقرار؛
- الثانية مالية، يشارك فيها الخليج والاتحاد
الأوروبي لتأمين التمويل.
ويحذر أديب من الرهان على "دفتر شيكات مفتوح"، مؤكدًا أن استمرار سلوك حماس، والسياسات العسكرية الإسرائيلية، وغياب الاستقرار، عوامل تضعف شهية المستثمرين، خاصة بعد التجارب المتكررة في غزة ولبنان حيث أُعيد البناء أكثر من مرة ثم دُمّر مجددًا.
ويخلص إلى أن أي خطة ناجحة للإعمار تحتاج إلى رؤية استراتيجية طويلة الأمد تحفظ الاستثمارات وتمنع تكرار المآسي.
ترامب أمام الكنيست: لحظة دعم تاريخية
من جانبه، وصف أكرم حسون، عضو الكنيست الإسرائيلي، زيارة ترامب وإلقاءه خطابًا أمام البرلمان بأنها لحظة تاريخية غير مسبوقة.
وأكد أن اللقاء عكس دعمًا أميركيًا قويًا لإسرائيل ولقائدها نتنياهو، نافيًا وجود خلافات بينهما.
وأشار إلى أن القانون الإسرائيلي لا يجيز العفو قبل صدور الأحكام النهائية، لكن معظم
القضايا ضد نتنياهو تواجه صعوبات في الإثبات، ما يعزز موقعه السياسي.
وشدد حسون على أن حزب "الليكود" لا يزال في صدارة المشهد الإسرائيلي، وأن نتنياهو يُنظر إليه كقائد مستقبلي محتمل رغم كل الضغوط.
إدارة النزاعات والتهدئة
أما المحلل موفق حرب، فاعتبر أن خطاب ترامب في الكنيست تضمن مزيجًا من الرمزية والرسائل السياسية، إذ وصف نتنياهو بأنه "رئيس حرب جيد" لكنه لم يوضح مدى قدرته على صناعة السلام.
وأضاف أن ترامب لو كان لا يزال في البيت الأبيض، لما تجرأت حركة حماس على شن هجماتها الأخيرة، مشيرًا إلى دوره السابق في إخماد النزاعات حول العالم، من القوقاز إلى
الشرق الأوسط.
وأوضح حرب أن وقف الحرب في غزة حالياً لا يعني بداية الإعمار، بل مجرد هدنة إنسانية لإعادة الرهائن ووقف الكارثة، بينما يبقى الإعمار مسؤولية عربية ودولية، مشددًا على غياب رؤية واضحة لكيفية حفظ الأمن بعد التهدئة، في ظل احتمال تصاعد الخلافات بين فصائل القطاع.
توازن دقيق بين السياسة والمال
في المحصلة، تسعى واشنطن عبر مقاربة ترامب إلى إعادة هندسة المشهد الإسرائيلي من خلال تهيئة نتنياهو ليصبح أكثر قبولًا داخليًا ودوليًا، وإلى معالجة ملف غزة ضمن رؤية متكاملة تربط بين الأمن والسياسة والاقتصاد.
لكن هذه المقاربة تبقى محفوفة بالتحديات، إذ تتطلب تنسيقًا عميقًا بين الضامنين السياسيين والممولين الماليين، إضافة إلى ضمان استقرار الأوضاع الميدانية.
ويُجمع المحللون على أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل إسرائيل والمنطقة، فنجاح خطة إعادة التموضع هذه قد يفتح الباب أمام واقع سياسي جديد يُعيد رسم خريطة التحالفات، ويحدد موقع إسرائيل في النظام الإقليمي والدولي لعقود مقبلة.