حظي تقارب رئيس الحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" وليد جنبلاط و"حزب الله"، بالإهتمام السياسيّ والإعلاميّ، وخصوصاً بعد العلاقة المتوتّرة التي سادت بينهما في السنوات الأخيرة الماضيّة، ومحاولة "الحزب" تحجيم كتلة "اللقاء الديمقراطيّ" في أكثر من دائرة إنتخابيّة، ودعوة جنبلاط أفرقاء "المعارضة" لتشكيل جبهة "سياديّة" تواجه "السيطرة الإيرانيّة على القرار اللبنانيّ". ومع هذا التبدّل المفاجىء والسريع في مواقف "زعيم المختارة"، فإنّ أبرز المتضرّرين هم "القوّات اللبنانيّة" و"المعارضة" ككلّ، فيما ربح فريق الثامن من آذار حليفاً جديداً، يستطيع التأثير على إستحقاق رئاسة الجمهوريّة.
ويرى مراقبون أنّ جنبلاط أدرك بعد إنتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، بالإضافة إلى الإستشارات النيابيّة الملّزمة وإنتخابات اللّجان النيابيّة، أنّ "حزب الله" وحلفاءه، كانوا الفريق الرابح دوماً، بينما "المعارضة" مشتّتة، ويصعب لمّ شملها، وتوحيد رؤيتها السياسيّة. ويُشير المراقبون إلى أنّ البعض رأى في إجتماع نواب من "المعارضة" بداية لتشكيل جبهة نيابيّة قادرة على إيصال رئيسٍ للجمهوريّة، ولكّن في الوقت عينه، لم يحضر نواب صيدا ونائب من جزّين إلى اللقاء، فهم لا يزالون لا يتّفقون مع بقيّة نواب "التغيير" على مواضيع مهمّة. كذلك، لم تُوجّه الدعوة لـ"القوّات"، ولا حتّى لـ"اللقاء الديمقراطيّ"، وقاطعه نواب من "الثورة"، وهناك نظرة غير واضحة حول إنتخابات رئاسة الجمهوريّة تُرجمت في البيان الصادر عن المجتمعين.
ازاء كلّ ما تقدّم، يعتبر مراقبون أنّ "حزب الله" أقرب إلى الفوز بانتخابات الرئاسة ، فتَمَوضَعَ جنبلاط منذ قضيّة توقيف المطران موسى الحاج في موقع الوسطيّ، وضرب علاقته مع "القوّات"، وفتح نافذة للحوار مع "الحزب". ويُضيف المراقبون أنّ جنبلاط يُريد أنّ يكون أحد أركان التسويّة المقبلة، ويُعزّز دوره وحضوره السياسيّ، عبر المشاركة في تسميّة المرشّح الأوفر حظاً لرئاسة الجمهوريّة، والمشاركة في الحكومة التي ستلي إنتخابات الرئاسة، فهو يعلم بحسب المراقبين أنّه يستحيل وصول رئيسٍ سياديّ إلى بعبدا، وأعلن أنّه يُعارض أيّ شخص سيفرض تطبيق القرار 1559 بالقوّة. ويقولون إنّ هناك شبه إجماع بين جنبلاط و"الحزب" على رفض أيّ مرشّح غير وسطيّ، لأنّ الهمّ الأكبر الذي يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة بالنسبة إليهما، هو المشاكل الإقتصاديّة والمعيشيّة، وتجنيب البلاد المواضيع السياسيّة الإستفزازيّة.
ويلفت مراقبون إلى أنّ "حزب الله" يعمل على تأمين الأصوات لمرشّح 8 آذار، وعدد نواب جنبلاط وازن، وكتلته قادرة على قلب المعادلة لأيّ فريقٍ في الإنتخابات الرئاسيّة. ولعلّ أهمّ ما رشح عن لقائه مع مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في "الحزب" وفيق صفا والمعاون السياسيّ للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل، أمس في كليمنصو، تعويل الأخير على الإتّفاق مع جنبلاط على مرشّحٍ رئاسيٍّ. وقد كان هذا الموضوع متداولاً خلال الإجتماع، إلى جانب القضايا الإقتصاديّة، على أنّ يدخل الطرفان في تفاصيل الأسماء لاحقاً. وقد قرأ متابعون تفاؤل الخليل الذي وصف اللقاء بالوديّ، بأنّ "حزب الله" يضع آمالا كثيرة على أصوات "اللقاء الديمقراطيّ" الثمانيّة، والعمل على النقاط الجامعة مع جنبلاط، وترك الخلافات جانباً، في المرحلة المقبلة.
ويُذكّر مراقبون أنّ "حزب الله" فشل من خلال الإنتخابات النيابيّة بتحجيم جنبلاط، وأظهر الأخير أنّه الأقوى درزيّاً في الساحة السياسيّة. وبعد خسارة حلفاء "الحزب" الدروز وعدم تمكّنهم من الوصول إلى مجلس النواب، فقد الغطاء الدرزيّ الذي كان رئيس الحزب "الديمقراطي اللبنانيّ" طلال ارسلان يُؤمّنه له. ومع التقارب الحديث بين الضاحيّة الجنوبيّة والمختارة، فإنّ "التقدميّ" سيُؤمّن غطاءً درزيّاً بارزاً لسلاح "حزب الله"، وخصوصاً في موضوع الحدود البحريّة إنّ ذهبت الأمور إلى حربٍ، إضافة إلى الالتفاف المسيحيّ حول "المقاومة" عبر "التيّار الوطنيّ الحرّ" وتيّار "المردة"، وحلفاء "الحزب" الكثر في الشارع السنّي، بعد إنكفاء تيّار "المستقبل".
ويقول مراقبون إنّ "الحزب" أثبت قوّته في موضوع ترسيم الحدود البحريّة، وأنّه يملك قرار السلم والحرب، إنّ تعثّرت المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ. وقد لاقى جنبلاط هذا التطوّر الحدوديّ بالدعوة إلى عدم التطرّق لموضوع سلاح "المقاومة" داخليّاً، ورفض أمس الإيجابة عن كلّ سؤال يتمحوّر حول الخلافات الجوهريّة مع "حزب الله"، ريثما تتوضح الصورة بعد الأوّل من أيلول المقبل، فبدء تنقيب الجانب الإسرائيلي عن الغاز واردٌ بقوّة خلال هذا التاريخ، في المقابل، فان"الحزب" يتحضّر للردّ عسكريّاً ضدّ أي إستفزازٍ في المنطقة النفطيّة المتنازع عليها، في وقتٍ لا يزال الموفد الأميركي للمفاوضات غير المباشرة آموس هوكشتاين في تل أبيب، ينتظر الجواب الإسرائيليّ على الطروحات اللبنانيّة.
ويختم مراقبون أنّ المنطقة ستشهد تبدّلات إقليميّة ودوليّة، فالملف النوويّ الإيرانيّ في خواتيمه، ومحوّر "المقاومة" من فلسطين إلى لبنان سيزداد قوّة، وسيُعزّز وجوده العسكريّ والسياسيّ. لذا، فإنّ ما يُشغل جنبلاط هو الإستقرار في منطقة الجبل، فكان تقاربه الأوّل من "التيّار الوطنيّ الحرّ"، وحاليّاَ من "حزب الله"، لتحييد المنطقة الدرزيّة عن أيّ عملٍ أمنيّ مُمكن أنّ تشهده الساحة اللبنانيّة، إذا تعذّر إنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، وذهب الوضع الإقتصاديّ إلى مزيدٍ من التدهور، واندلعت الحرب مع إسرائيل بسبب الثروات البحريّة.