نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تقريراً جديداً عن الترتيبات الأمنية التي يتم بحثها بين إسرائيل وسوريا.
وذكر التقرير الذي ترجمهُ
"لبنان24" إنه في أعقاب اتفاقيات أبراهام في
الشرق الأوسط، اكتسب مصطلح "التطبيع" زخماً في الخطاب السياسي، لأنه حمل وعداً بعلاقات جديدة ودافئة على عكس اتفاقيات السلام "الباردة" التي أقامتها إسرائيل مع مصر والأردن، على حد مزاعم الصحيفة.
وتابع: "قد يكون استخدام مصطلح التطبيع لوصف العلاقات المحتملة مع
سوريا ولبنان مُضلِّلاً، إذ يُشير إلى سيناريوهات تبدو بعيدة المنال حالياً. إن الاتصالات التي تطورت بين إسرائيل وسوريا في أعقاب سقوط نظام
الأسد وصعود أحمد
الشرع إلى السلطة في كانون الأول 2024 مثيرة للدهشة لسببين رئيسيين: أولاً، إن المنظمة التي يقودها الشرع، هيئة تحرير الشام، هي منظمة جهادية ذات أيديولوجية إسلامية واضحة ترى
في إسرائيل والصهيونية أعداء يجب
القضاء عليهم. ثانيًا، كان من الممكن أن يؤدي رد إسرائيل العسكري على انهيار النظام بما في ذلك إلغاء اتفاقية فك الارتباط لعام 1974، واستيلائها على المنطقة المنزوعة السلاح، وجبل الشيخ، ومناطق أخرى، إلى التطرف، وزيادة التوترات، والعداء. إلا أن النظام الجديد تبنى موقفاً مُعتدلاً في تصريحاته وأفعاله تجاه إسرائيل، وشمل ذلك تجنب إدانة إسرائيل خلال هجومها على
إيران، والسماح ضمنياً لسلاح الجو
الإسرائيلي بالتحليق في المجال الجوي السوري".
واستكمل: "لقد عززت هذه التحركات الاعتقاد بأن الصورة المتطرفة للنظام قد لا تكون ذات أهمية، كما لعب لقاء
ترامب السريع بالشرع خلال زيارته للسعودية ورفعه العقوبات عن سوريا دوراً في ذلك".
وتابع: "مع ذلك، فإن مراجعة تاريخية موجزة للعلاقات بين إسرائيل وسوريا تكشف أنه على الرغم من أن سوريا كانت خصماً عنيداً ــ إذ خاضت 4 حروب مع إسرائيل (1948، 1967، 1973، و1982) ــ فإنها انخرطت في مفاوضات مع إسرائيل في عدة مناسبات، بل واقتربت حتى من توقيع اتفاقية سلام".
وقال: "هكذا، بعد حرب الاستقلال، اقترح الضابط العسكري حسني الزعيم، الذي استولى على السلطة عام 1949، السلام مع إسرائيل وإعادة توطين نصف اللاجئين
الفلسطينيين مقابل انسحاب إسرائيل من نصف بحيرة طبريا. يرى البعض في هذه الحادثة فرصة تاريخية ضائعة، لكن الزعيم اغتيل بعد ثلاثة أشهر من توليه السلطة، ولم تتحقق هذه المبادرة قط. كذلك، كان ضابط آخر هو أديب الشيشكلي قد أجرى محادثات مع إسرائيل في الخمسينيات، ولكنها لم تتحقق هي الأخرى".
وتابع: "لم تنضج شروط الاتفاق إلا بعد تولي حافظ الأسد السلطة عام 1970 وعقب حرب أكتوبر 1973. كان
وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر هو من نجح في التوسط في أول (وآخر) اتفاقية فك اشتباك بين البلدين عام 1974، وهي اتفاقية ظلت صامدة حتى وقت قريب".
وأضاف: "لقد بُذلت محاولات أكثر جدية للتوصل إلى اتفاق سلام في التسعينيات، بعد اتفاقيات أوسلو. أجرى نظام الأسد مفاوضات مباشرة، بوساطة أميركية، مع رؤساء الوزراء إسحاق رابين، وشمعون بيريز، ونتنياهو، وإيهود باراك. كان باراك الأقرب للتوصل إلى اتفاق، إذ لم تفصل بين الجانبين سوى بضع عشرات من الأمتار من شاطئ بحيرة طبريا".
وتابع: "في عهد بشار الأسد أيضاً، بُذلت محاولتان جديتان على الأقل للتوصل إلى اتفاق، إحداهما خلال ولاية إيهود أولمرت، والأخرى خلال ولاية نتنياهو، قبيل اندلاع الحرب الأهلية
السورية. تجدر الإشارة إلى وجود أدلة تاريخية على أن نتنياهو، خلال ولايتيه عامي 1996 و 2010، أعرب سراً عن استعداده للانسحاب من مرتفعات الجولان. وخلال الحرب الأهلية السورية (2011-2024)، حافظت إسرائيل على اتصالات مع المنظمات المتمردة في جنوب سوريا ومع ممثلي الدروز بعد سقوط نظام الأسد".
واستكمل: "تتمثل مصلحة الشرع المباشرة في وضع سوريا على مسار إعادة الإعمار، مع مراعاة مخاوف الأقليات (الأكراد والدروز والعلويين)، ومكافحة الفصائل الجهادية المارقة. هذه العملية لا تزال في مراحلها الأولى. ومن شأن الاستقرار والهدوء أن يجذبا استثمارات وقروضاً كبيرة من المجتمع الدولي".
وأكمل: "يشير تحليل واقعي إلى أن التطبيع الكامل مع إسرائيل قد يضر بشرعية الشرع - وهي في كل الأحوال غير مؤكدة - خاصةً إذا استلزم ذلك التنازل عن مرتفعات الجولان. من ناحية أخرى، سينظر الرأي العام السوري بإيجابية إلى أي اتفاق محدود يعيد الوضع إلى ما كان عليه. حتى الآن، وخلافًا للتوقعات والخطاب العام في إسرائيل، لم تُركز
وسائل الإعلام السورية كثيراً على هذه القضية، رغم وجود مؤشرات أولية على تهيئة الرأي العام لمنافع السلام".
واعتبر التقرير أن "الاتفاق الأمني المتجدد بين إسرائيل وسوريا، إذا تم التوصل إليه، من شأنه أن يؤدي إلى نوع جديد من التطبيع "، وأضاف زاعماً: "حتى الآن، حددت ثلاثة أنواع من التطبيع: أولا، الاتصالات وراء الكواليس من دون اتفاق رسمي، كما هو الحال مع دول عربية مثل سلطنة عمان؛ ثانياً، العلاقات الرسمية في المقام الأول على المستوى الحكومي، كما هو الحال مع مصر والأردن ــ ما نشير إليه غالبا باسم "السلام البارد"؛ وثالثا، العلاقات الأكثر دفئاً التي تشمل التعامل مع منظمات المجتمع المدني، كما هو الحال مع المغرب والإمارات العربية المتحدة (ما يسمى اتفاقيات أبراهام)".
واستكمل: "إن النوع الجديد من التطبيع لن يكون مجرد اتفاق سلام، بل سيتضمن ترتيبات أمنية من شأنها تمكين التعاون السري في مجموعة من المصالح الإقليمية المشتركة في مواجهة إيران والتهديدات المتبادلة الأخرى. يمكن لمثل هذا الاتفاق أن يُمهّد الطريق لتطبيع على غرار اتفاقيات أبراهام بعد فترة من بناء الثقة. ومن أمثلة ذلك ظهور شادي مارتيني، رجل الأعمال والناشط السياسي السوري الذي شارك في المساعدات الإنسانية التي قدمتها إسرائيل خلال الحرب الأهلية، في المؤتمر الافتتاحي للوبي الكنيست للترويج لترتيب أمني إقليمي، الذي عُقد الأسبوع الماضي".
وقال: "في المقابل، فإنَّ قضية مرتفعات الجولان ستظل موضع نزاع. فمن ناحية، استلزم السلام مع مصر والأردن انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في عام 1967، الأمر الذي شكل سابقة وخلق توقعات على الجانب العربي؛ ومن ناحية أخرى، اضطرت سوريا منذ عام 1939 إلى تقبل خسارة لواء الإسكندرونة لصالح تركيا، ولكن هذه القضية لم تعيق ازدهار العلاقات بين البلدين".
وختم: "كان لهجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023 عواقب غير مقصودة عديدة؛ فيما كان سقوط نظام الأسد أحدها، وأي اتفاق بين إسرائيل وسوريا سيندرج ضمن هذه الفئة".